عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

إلى اللقاء فى قمة عالمية أخرى ليعاد الإغراء بنفس الالتزامات

الأخبار

السبت، 13 نوفمبر 2021 - 08:48 م

عبدالله البقالى

فرغ الكبار والصغار من قمة كلاسجو، وعاد الجميع إلى بلدانهم سالمين بعدما قاموا بواجب مناسك قمة المناخ التى تنظم كل سنتين لبحث السبل والطرق الكفيلة بالحد من تدهور المناخ ومناقشة قضايا رئيسية ترتبط بهذه الإشكالية المستعصية.
فى كل مرة يحتشد القادة والزعماء والخبراء والعلماء للاتفاق على سياسات عالمية فعالة تضع حدا لمسار التدهور الذى يسير عليه الكون فيما يتعلق بالمناخ.
نفس الكلام يردد، ونفس الشعارات ترفع فى كل قمة، فى كل قمة من هذه القمم تقرر الدول العظمى تقديم مساعدات مالية للدول الصغرى والضعيفة لمساعدتها على التصدى للاحتباس الحراري، وفى قمة كلاسغو قرر الكبار مرة أخرى توفير غلاف مالى تتجاوز قيمته 100 مليار دولار لهذا الغرض. وهو نفس المبلغ الذى كانت قمة كوب 21 بباريس قررت تخصيصه ورصده. لكن ما أن ينفض الجمع حتى تتعمد الدول العظمى التنكر لالتزاماتها المالية بصفة نهائية، وتحتفظ بالمبلغ الموعود إلى القمة المقبلة لعرضه كالتزام جديد، وهكذا دواليك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
من حق الرأى العام الدولى التساؤل اليوم عن مصداقية مثل هذه القمم، لأنه فى الوقت الذى تتكاثر فيه ويقع الحرص على تنظيمها مرة كل سنتين، بنفس القدر، وربما بوتيرة أسرع، تزداد إشكالية المناخ تدهورا. ثم لأن قضية المناخ تحولت إلى ورقة سياسية محضة تجتهد كثير من الدول العظمى فى توظيفها للعب بها فى التوقيت الذى تقدره مناسبا لخدمة مصالح اقتصادية وسياسية معينة ومحددة. ولأن المسئولين الحقيقيين عن تدهور أحوال المناخ وتردى البيئة العامة وارتفاع وتيرة وسرعة الاحتباس الحراري، كلها قضايا وإشكاليات مسئولة عنها الدول العظمى. بل إن كل هذه التجليات الخطيرة ما هى فى حقيقتها النهائية إلا نتيجة حتمية للسياسات الصناعية واستعمالات المحروقات الأحفورية وسوء تصرف فى السلوكات البشرية، وأن الحرص على تعويم دراسة هذه القضايا فى قمم عالمية يعتبر تضليلا وتعتيما على الحقائق كما هي، وليس كما تقدمها الدول الكبرى.
الاقتصادات الكبرى التى تعتمد على مختلف أشكال وأنواع الصناعات فى مختلف فروع الحياة، بما فى ذلك الصناعات البتروكيماوية والعسكرية، والتى تستهلك كميات ضخمة وهامة من المحروقات الأحفورية، والتى تخلف نفايات خطيرة هى المسئولة المباشرة عن تردى الأوضاع البيئية فى الكون، وهى المتسببة الأولى والرئيسية عن الاحتباس الحرارى الذى يؤشر على استمرار ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية. وهذه المسئولية لا يتطلب تحملها تنظيم مؤتمرات وقمم وحشد المسئولين من جميع بقاع المعمور للحديث عن الأسباب والاتفاق على الحلول، بل ذلك يتطلب فقط منسوبا عاليا من الجرأة والشجاعة للاعتراف بالمسئولية المباشرة عما يحدث فى هذا الصدد من خلال:
أولا، محاولة التقليل من استعمال جميع المصادر والوسائل المتسببة فى تدهور المناخ، واعتماد طاقات جديدة من الطاقات النظيفة والبديلة التى لا تسيء إلى البيئة وإلى المحيط. وهذا الأمر قد يعنى فى بعض جوانبه إعادة النظر فى طبيعة الإنتاج وسلاسل الإمداد.
ثانيا، يجب الاتفاق بأن المتسبب فى الحالة هو الذى يجب أن يسدد فاتورة وتكلفة إيجاد العلاج لها، إذ لا يعقل أن يتحمل الأبرياء من شعوب الدول الضعيفة عواقب ما تقترفه الأنشطة الاقتصادية فى الدول الكبرى من جرائم فى حق البيئة بصفة عامة، وفى مقدمتها المناخ. لذلك لا بد للدول الكبرى أن تتحمل لوحدها مهمة ضمان التمويل الكافى لمواجهة التداعيات السلبية والخطيرة على المناخ، وفى غيره من مناحى البيئة فوق الكرة الأرضية.
ثالثا، من المهم الاتفاق على قانون دولى صارم يحمى الكرة الأرضية من الأخطار البيئية المحدقة بها، قانون يزجر بقوة وبحزم المخالفات والجرائم المقترفة ضد الحياة الطبيعية.
وما عدا ذلك فإن هذه القضية البالغة الأهمية ستظل حبيسة المزايدات السياسية، من خلال اتفاقات هشة يخرج منها من دخلها دون عناء، وفى أية لحظة يقدرها لائقة ومناسبة، وستبقى مجرد أحاديث تلوكها ألسنة الكبار للتعتيم على الحقائق، إذ لا تتعدى فيها المؤتمرات والقمم والندوات والملتقيات الكثيرة التى تنظم هنا وهناك وتصرف عليها الملايين مجرد مناسبات ظرفية صالحة لالتقاط صور جميلة ولقطات جذابة تزين اهتمامات وسائل الإعلام الدولية.
ولذلك، فقد انفض جمع كلاسغو كما انفضت الجموع التى سبقته دون وجود أى مؤشر إيجابى وفعلى قد يؤكد وجود إرادة صادقة وواضحة للتصدى للأخطار الكبيرة التى تهدد مصير البشرية، والأكيد أن تدهور المناخ عبر الاحتباس الحرارى الذى يكشف عن ارتفاع مهول ومتواصل فى درجات حرارة الكرة الأرضية لن ينتظر ولن يتوقف لانتظار توفر هذه الإرادة.
وإلى اللقاء إن شاء الله فى قمة عالمية جديدة للمناخ ليتردد نفس الكلام ويعاد الإغراء بنفس الالتزامات والتعهدات، ويتكرر التسويق لنفس الشعارات.
< نقيب الصحافيين المغاربة


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة