أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
العقاد و«سارة».. بين النقد واللغة
الخميس، 18 نوفمبر 2021 - 10:37 ص
أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
كتب الأديب والمفكر الراحل عباس محمود العقاد رواية واحدة هي (سارة)،صدرت طبعتها الأولى في العام ٨٣٩١ ،والثانية٤٣٩١، وتوالت طبعاتها حتى اليوم.
وقد شغل النقاد أنفسهم بالبحث في الأسباب التي دفعت العقاد أن يدخل عالم الرواية؛فبينهم من ذهب إلى أنه أراد أن يمارس جنسيا أدبيا جديدا،وبعضهم زعم أنه أراد أن يجرب قلمه في القصة!
ونلمس سخرية العقاد من هؤلاء جميعا في تقديمه الطبعة الثانية للرواية حين قال:” كتبت هذه القصة -فيما زعم بعضهم- لغير شيء إلا أنني أردت أن أجرب قلمي في القصة!لهذا السبب وحده كتبت سارة! وهو سبب قد يصح أن يكون له نصيب من الصحة لو أنني أعتقد أن القصة ضريبة على كل كاتب!،أو أعتقد أن القصة أشرف الكتابة في الفنون الأدبية،أو أعتقد أنني مطالب بالكتابة في كل موضوع تجول فيه أقلام المؤلفين “،ويضيف:” ولست أعتقد شيئا من ذلك،فإن القصة عندي لاتعدو أن تكون بابا من أبواب الكتابة الأدبية ليست بأشرفها ولا بأوجبها على الكاتب”.
ومهما يكن من أمر ؛ فالذي يعنينا أنه قد كتب هذه الرواية التي شغلت النقاد وتناولوها بالبحث والتنقيب لفك شفرات العقاد فيها بدءا من بحثهم عن الشخصية النسائية الحقيقية التي تدور حولها الرواية،وقد عنوا أكثر بدراسة الجوانب البلاغية والنقدية،لكننا لم نلحظ عناية من اللغويين تتناول( سارة) بالدرس النحوي واللغوي من أي جانب كان؛ بغية تسليط الضوء على لغة العقاد الروائية ومدى اتفاقه أو اختلافه مع قواعد اللغة التي وضعها النحويين وعلماء اللغة.
والمختصون في هذا المضمار من الدراسات اللغوية يرون أن القواعد والأحكام النحوية لابد أن تكون نابعة من واقع النصوص اللغوية فدراسة اللغة ينبغي أن تقوم على اللغة ذاتها،وذلك”لأن الذي حدث بصدد الوصول إلى القاعدة من جانب علمائنا الأقدمين،أنهم لم يعتمدوا على الشواهد وحدها،أو بعبارة أخرى على الاستقراء وحده،وهذا مسلك عابه عليهم كثير من الباحثين القدماء والمحدثين ؛إذ اعتمدوا على تكميل الثغرات بالمنطق والقياس،لا بمعاودة المشافهة. وعلى ذلك لم يكن العمل مقصورا على الاستماع الحقيقي للغة المدروسة،والرجوع إلى المصادر الأصيلة لها، بل كانوا أحيانا يملأون الثغرات التي تقابلهم أثناء الدرس بالالتجاء إلى القياس أو الافتراض وما شابه ذلك من أمور خارجة عن روح البحث الصحيح.
لذلك وجه علماء اللغة الباحثين إلى أن يعمد النحاة المعاصرين إلى النصوص العربية قديمها وحديثها،وأن يحاولوا اكتشاف دور النحو في بنائها ويظهروا ما تقوم به المعطيات النحوية في ترتيبها،وترابط أجزائها،واستواء هيئتها،وماتقدمه في إنتاج دلالتها،و قيمة هذا الدور في تحليل الدلالة. كل هذا من شأنه أن يعود بأعظم النتائج على النحو والأدب في آن معا،كما سيعود بأعظم النتائج أيضا على متعلمي العربية والراغبين فيها.
من هنا أهيب بأهل الاختصاص أن يتعمقوا في استعمالات العقاد للتراكيب النحوية واللغوية و دراسة هذا النص الروائي المهم في مسيرة العقاد الأدبية فلم يحظ بدراسة تعنى ببنية الجملة عنده - على حد علمي إلا ماانطوى على إشارات عابرة إلى لغة العقاد في الرواية فانصراف اللغويين ظاهر جلي عن هذا النوع من الدراسة فقد انصب جل اهتمامهم على الجانب النقدي والبلاغي- وهذا بطبيعة الحال سيعود بالنفع على لغتنا العربية،بغية أن تنبع القاعدة من استقراء وتتبع لنصوص اللغة، حتى يسهموا في حل كثير من الخلافات ولإعطاء كل رأي حقه إنصافا،بجانب إثراء كتب النحو بشواهد جديدة تنضاف إلى شواهد النحاة القدماء في هذا المضمار،برغم كونه نصا نثريا وليس شعريا كأغلب شواهدهم واحتجاجاتهم. يقينا العقاد يستحق كل الاهتمام بطرح قلمه وفكره وإبداعاته الشتى فما بالكم بعالمه الروائي الذي كثفه في وحيدته(سارة)!
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة