عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

إلى أن يدرك الغرب..

الأخبار

السبت، 04 ديسمبر 2021 - 07:48 م

عبدالله البقالى

تواصل تداعيات جائحة كورونا فى إسقاط أوراق النظام العالمى السائد. فلقد تسببت التداعيات المتواصلة إلى حد اليوم فى فرض إعادة النظر فى العديد من الحقائق ، التى كان يسود الاعتقاد أنها أضحت نهائية وحاسمة، ويجب أن تخضع لها العلاقات الدولية السائدة، وإلى مراجعة العديد من المفاهيم التى كانت تؤطر هذه العلاقات.


فقد أكدت التداعيات المترتبة عن الوباء حاليا أن قوى عظمى كانت تضرب لها الحسابات و تفرض هيبة ، وحتى خوفا  لدى العديد من دول العالم.
فلقد أكدت هذه التداعيات الخطيرة أن هذه الدول التى تمثل القوى العظمى لم تعد تأثيراتها فى النظام العالمى بالشكل وبالحجم وبالمنسوب الذى كانت عليه من قبل، ذلك أنها من جهة وقفت بكل ما تختزن من عوامل قوة حقيقية على المستويات العلمية والتقنية والفنية والمالية، وليس فقط فى القضاء على هذا الفيروس الخطير، حيث فشلت فى جهودها العلمية والمخبرية التى بذلتها لحد اليوم فى القضاء عليه، الأخطر من ذلك عجزت لحد اليوم عن التوصل إلى الحقيقة العلمية الكاملة والنهائية لهذا الفيروس، و بذلك فإنها فشلت فى فهمه لتتمكن من التصدى إليه والقضاء عليه.


فى ضوء ذلك فإن المفهوم التقليدى للتعاطى مع النظام العالمى لم يعد نافعا ولا مجديا لأى كان، بما فى ذلك للدول العظمى. وأن تداعيات الجائحة فرضت مفهوما جديدا للعولمة وتشكلا مغايرا للنظام العالمى.


وفى الحقيقة فإن هذا المفهوم يواجه حاليا امتحانا عسيرا وخطيرا يزيد من نقمة السخط و الغضب على نظام عالمى ظالم جدا حد القسوة الشديدة، ففى الوقت الذى تواجه فيه البشرية ظروفا صعبة وتحديات خطيرة مرتبطة باستمرار الفيروس فى الوجود ، وفى الظروف التى تؤكد أن هذا الفيروس يمتلك قوة خارقة ، وتكاد تكون غير مفهومة على التحول وعلى التوالد والتناسل، إلى درجة يمكن أن نتحدث فيها حاليا عما يمكن أن نسميه ب (أجيال من فيروس كورونا )، وفى الوقت الذى تؤكد فيه الحقائق العلمية الظرفية أن لا حل لمواجهة الفيروس، أوعلى الأقل لمحاصرته والتخفيف من تداعياته على صحة الإنسان وعلى الاقتصاد ، سوى السعى بكل قوة إلى تعميم اللقاحات ليستفيد منها أكبر عدد من البشر، فإن منظمة الصحة العالمية تكشف عن حقائق صادمة جدا تعرى منطق اللاعدالة الذى يضمر فى أعماقه نزعات الأنانية والشوفينية والعرقية والكبرياء، حيث صرحت هذه المنظمة أن 89 بالمائة من اللقاحات المصنعة والمسوقة لحد اليوم ذهبت إلى الدول العشرين، وهى الدول الاقتصادية العظمى. وبذلك فإن شعوبها استحوذت تقريبا على جميع الكميات المصنعة من مختلف أنواع اللقاحات ، إلى حد التخمة.


ومن جهة أخرى يؤكد الخبراء المتخصصون أن الكلفة الإجمالية لتحقيق تعميم شامل للقاحات لتشمل جميع سكان العالم لا تتجاوز خمسين مليار دولار، وهو مبلغ يقل بنسبة النصف عما حققته شركة اقتصادية غربية واحدة من مكاسب وأرباح خلال المدة التى عمر فيها الوباء فى العالم، مستغلة المآسى المترتبة عن الجائحة والتى حولتها إلى أرباح مالية طائلة .


المعادلة الصعبة التى تفرض مراجعة عميقة وشاملة لهذه المقاربة الأنانية الفاسدة ، تكمن فى أن القضاء على الفيروس يتوقف على تحقيق مناعة جماعية ، بما يشدد الخناق على الفيروس و يخنق الممرات التى يسلكها . وما دامت هذه المناعة لم تتحقق فإن الفيروس سيظل يمارس نشاطه المعتاد وبوتيرة قد تكون أكثر سرعة وأكثر قدرة على الفتك والدمار فى الدول العظمى نفسها، لأن قوة نظامها الاقتصادى تتجسد فى قدرة اقتصادها على الانفتاح على الأسواق العالمية، وبالتالى على هذا الغرب الأنانى المريض أن يقتنع بالحقيقة الجديدة التى أفرزتها التداعيات وفرضتها على الجميع، والتى تؤكد أن سلامة الفرد فى أية نقطة من العالم تتوقف على سلامة الآخرين بغض النظر عن أصولهم وعرقهم وجغرافيتهم وديانتهم، وبذلك فإن سلامة الغرب رهينة بسلامة وعافية الشرق والجنوب والشمال .


و إلى أن يدركوا و يستوعبوا هذه الحقيقة جيدا، فإن الفيروس سيستمر فى الوجود و سيواصل ممارسة نشاطه بحيوية، مستغلا هذا الخلل القيمى فى السلوك البشرى و منتهزا أنانية البعض فى احتكار الحياة لوحده .
نقيب الصحافيين المغاربة

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة