محمد سعد
محمد سعد


أمنية

فراق

محمد سعد

السبت، 18 ديسمبر 2021 - 06:42 م

ذات صباح جلستُ أحتسى القهوة وأنتظر موعدا بأحد المقاهي، نظرتُ إلى جوارى لأجد شاباً فى خريف الثلاثينات بصحبة فتاة تصغرهُ بعشر سنوات أو يزيد قليلاً، كانا يهمسان لكنه ليس همس عاشقين، فالملامح التى ارتسمت على وجهيهما لم تبُحْ بأنها ساعة صفا، لكنها بينت أنها اللحظات الأخيرة فى عمر قصة حب عاصفة، اطلتُ النظر إليهما، وسرحتُ بخيالى محاولاً استنباط حديثهما.


ربما الليلة التى سبقت اللقاء كتبت مشهد النهاية، ويبدو أن العاشق اقترف جُرماً لا يُغتفر، ومزق قلب حبيبته، ربما خانها أو كذب عليها أو طعنها فى أنوثتها، وأياً كان الجُرم، فالمؤكد أنه متهم ومعترف بجُرمهِ، واعترافه لن يشفع له أو يخفف من حكم بات واجب النفاذ.


نظراتها قاسية تخترق جسده وهو لا يقوى أن يرفع عينيه فى وجهها وكلماتها مقتضبة، لكنها لاذعة فهى لا تستطيع البوح بما فى صدرها حتى أمام حبيبها أو الذى كان حبيبها، اكتفت فقط بسهام نظراتها وهو لم يعد يقوى على استقبال الطعنات، وحاول أن يفتش عن ملجأ يحتمى به دون جدوى لأنه فقد الحضن الذى كان يختبئ بداخله.


استجمع قوته التى خارت، فقد تسللت ربوع اليأس إلى نفسه، وأيقن أن الفراق فرض نفسه وأن لقاءهما بات الأخير، وأنه وصل إلى مشهد النهاية، وحان الوقت أن يسدل الستار على رواية الحياة، نظم أنفاسه وبدأ فى تلاوة ترانيم الوداع، قال إنها الحب الأول والأخير وإنها أجمل نساء العالمين والحور العين التى تجلت على أرضه، استرسل ووعدها أنها ستظل حبيبته أبد الدهر، سرد لها كيف سيقضى باقى أيامه يتذكرها ويتأمل أوقاتهما، ذهب لأبعد من ذلك ووعدها أنه سيظل يحتفل كل عام بيوم مولدها بمفردهِ فهو يرفض أن يشاركهُ أحد هذه المناسبة.


استمعتْ وظلتْ تستمع لكنها لم تستوعب أو ربما لم تصدق، والمؤكد أنها لم تقتنع، ردت بابتسامة هادئة وحاولت أن تهدئ من روعه وتخفف من فجيعته، لكنها اتخذت القرار، لم يجد المسكين حيلة لأن يطيل اللقاء فقد حاول استمالتها بشتى الطرق، لكن عزيمتها كانت قوية، وإرادتها صلبة، وجرحها عميق لن يندمل بسهولة فنظرتها الثاقبة تؤكد أن الدموع عصية على عينيها.


كرر وعده أنه لم ولن ينساها وستظل حبه الأول والأخير وأن ذكرياته معها ستكون زاده وأوقات مرحهما سلوانه، لكنه طلب منها فى نفس الوقت أن تنساه وتبدأ حياة جديدة، شكرته وطلبت الانصراف، وهو تفهم طلبها فهى حبيبته وهو صادق فى حبه لها، وافقها، فشكرته وهمت فى طريقها دون أن تلتفت خلفها، وكأنها تبرأت من حبها القديم، وتستعد للتعافى منه، وظل هو يتبعها بنظرات وداع مؤلمة حتى غابت فى زحام الشوارع.


تنبهت فجاة أن الستار قد أُسدل بالفعل وافترق العاشقان، وودعا بعضهما دون وداع، فلا يوجد عناق أو قبلات أو حتى ابتسامات، وتذكرت أن أصدق لحظات العناق هى التى تشهدها ساحات المطارات، وليس كما يتخيل البعض أن عناق العشاق هو الملاذ الآمن للمشاعر الإنسانية، كما أن لحظات الوداع الحقيقية تكون على فراش الموت أما وداع العشاق فهو لا يبوح دائماً بالحقيقة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة