عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

الثروة بيد الكبار ويبقى الفتات للصغار

الأخبار

السبت، 25 ديسمبر 2021 - 07:54 م

عبدالله البقالى

يمكن القول : إن توزيع عائدات الثراء فى العالم يعرف اختلالات عميقة ومتجذرة، وتبين أن قلة قليلة من البشر فوق الكرة الأرضية تستحوذ على الحصة الكبيرة مما تتيحه الحياة البشرية من ثروة و غنى، فى إطار نظام اقتصادى عالمى أفرزته موازين القوى السائدة بين دول العالم .


ولقد أعاد (مختبر اللامساواة العالمية) هذه القضية إلى واجهة الاهتمام من خلال نشر دراسة مهمة خرجت إلى العموم فى نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري، وأعدتها مجموعة كبيرة من الخبراء الاقتصاديين الذين تجاوز عددهم المائة خبير، ينتمون إلى العديد من دول العالم، و شملت الدراسة عينة من 100 دولة من المعمورة، والتى كشفت عن حقائق، أقل ما يمكن أن يقال عنها، إنها صادمة جدا.


ويكشف التقرير فى هذا الصدد أن 10 بالمائة من الأشخاص البالغين فى العالم، و هم الأكثر ثراء، يستحوذون على 52 بالمائة من العائدات المالية، بيد أن 50 بالمائة من الأشخاص البالغين الأكثر فقرا لا تصلهم إلا نسبة 8،5 بالمائة من هذه العائدات، وهذا يعنى بلغة الإحصائيات الدقيقة أن أقل من 700 مليون شخص، من الذين أتاحت لهم الظروف السائدة حظوة متميزة، يهيمنون على نصف كمية الثروة المالية العالمية، بيد أن أكثر من 3.5 مليار شخص فى العالم يستفيدون من أقل من عشر هذه الثروة. ويكشف التقرير أن التفاوت لا يقتصر على المداخيل المالية المحصل عليها من طرف الأفراد، بل إن هذا التفاوت يطال أيضا الممتلكات (عقارات، الادخار، أنشطة مالية أخرى) بالنسبة للأسر والتى تزداد تعمقا و تفاوتا منذ مطلع سنة 1990 من القرن الماضي، أى خلال الفترة التى أعقبت الأزمة المالية التى هزت العالم سنة 2008. وهكذا تكشف الوثيقة أن نصف سكان العالم من الفقراء يملكون 2 بالمائة فقط من ممتلكات الأسر، فى حين أن 20 بالمائة من أفراد الأسر يستحوذون على 76 بالمائة من الممتلكات المتوافرة فى العالم، و يوجد الأشخاص المنتمون إلى الطبقة الوسطى بين الفئتين بامتلاكهم 22 من هذه الممتلكات. وتشير الدراسة إلى أن سياسات الانفتاح الاقتصادى التى اكتسحت العالم نتيجة تغول السياسات الامبريالية، التى عرفت أوجها منذ بداية القرن الماضي، ساهمت إلى حد بعيد فى فرض هذا الواقع المريب، حيث سعت الأوساط الاقتصادية، من شركات كبرى وبنوك عملاقة إلى تعويض ما ضاع منها، وبالتالى إلى اعتماد سياسات اقتصادية بديلة تجنبها شرور ما تعرضت له أثناء الأزمة .


ومن جهة أخرى تؤكد الدراسة أن جائحة كورونا لم تكن وباء على جميع الدول، وعلى جميع الشركات، و لا الأوساط الاقتصادية و التجارية فى العالم، بمعنى أن تسديد الفاتورة المترتبة عن تداعيات انتشار هذا الفيروس الخطير لم تتم بصفة عادلة و متساوية بين الجميع، بل هى لحظة كشفت عن معطيات جديدة تهم القدرة على المواجهة، وامتلاك ملكة انتهاز فرصة الأزمة الطارئة لزيادة مراكمة الأرباح المالية. و فى هذا السياق يكشف معدو التقرير أن أثرياء العالم من أصحاب المليارات حققوا أرباحا مالية خيالية بلغت قيمتها 3600 مليار دولار، أى ما يعادل ما يحتاجه تمويل قطاع الصحة فى العالم بأسره لمدة سنة كاملة .
تفاصيل كثيرة لا تقل أهمية و لا خطورة عما سردناه فيما سبق، حفلت بها الدراسة التى نشرتها وسائل إعلام غربية ، مما لا تتسع له هذه المساحة، و يبقى الأهم أن الخبراء الاقتصاديين الذين أعدوا هذه الدراسة ينبهون إلى خطورة التهديدات المحدقة بهذه القضية، من قبيل أن انعدام المساواة فى الدخل وفى الممتلكات سيزداد تعمقا و تفاوتا فى غياب معالجة حقيقية لهذه الإشكالية المستعصية، و أن 1 بالمائة من أثرياء العالم (أقل من 5.2 مليون شخص) سيواصلون الزحف نحو الهيمنة على الثروة العالمية .


و فيما يتعلق بالحلول التى تقترحها الدراسة، فإن الخبراء الاقتصاديين يلحون على ضرورة الرفع من معدلات الاستثمار فى قطاع التعليم،  والأكيد أن التعليم الفعال والمنتج يتيح إمكانيات كبيرة و هائلة للرفع من معدلات الدخل المالى ، لأن التعليم وحده يمثل المصعد الاجتماعى داخل كل دولة، إذ لا سبيل أمام أبناء الفقراء والبسطاء من أن يصبحوا فى المستقبل أطباء و مهندسين و أساتذة و محامين، و رجال ونساء أعمال إلا عبر تفوقهم فى أسلاك التعليم وامتلاكهم لمعارف تؤهلهم الى الانتقال من طبقة المحرومين التى ولدوا فيها، إلى الطبقة المتوسطة التى يمكنهم عبرها الانتقال إلى الأعلى .كما توصى الدراسة بحتمية الاستثمار فى قطاع الصحة باعتباره خدمة اجتماعية يجب أن تكون متاحة أمام جميع أبناء الوطن الواحد، ولأنه لا مجال للحديث عن تنمية المداخيل المالية بمواطن تحرمه المسالك المعقدة والبنية الصحية المهترئة من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية بصفة عامة، و فى مقدمتها الصحة العمومية. كما توصى من جهة أخرى بالإسراع باتخاذ جميع التدابير الفعالة للقضاء على الفوارق المجالية والترابية، بحيث تكون جميع أرجاء البلد الواحد مشمولة بإرادة تنمية حقيقية و عادلة، وبالتالى اعتماد إصلاحات شجاعة فيما يتعلق بالسياسات الجبائية بحيث يدفع أكثر من يكسب أكثر، على أن تكون العائدات المحصلة من هذه الجبايات فى خدمة الفئات المحرومة من أبناء الشعب .
المفارقة المثيرة هى أن الكثير من الحكومات المعنية بلدانها بانعدام المساواة فى الدخل وفى الممتلكات، والغالبية الساحقة من القوى الاقتصادية العظمى التى تقبض بأنفاس النظام الاقتصادى الظالم فى العالم، لا تبدى أية إرادة لفتح ملف هذه القضية الإنسانية، وهذا ما يؤشر على أن المعطيات السائدة تجد فى الأوضاع المفروضة تربتها الفاسدة، بما يؤشر على أن الإشكالية ستزداد استفحالا على المدى المنظور و البعيد.
< نقيب الصحافيين المغاربة


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة