أ.د. إلهام سيف الدولة حمدان
أ.د. إلهام سيف الدولة حمدان


صلاح جاهين ..فنان الشعب

أخبار النجوم

الجمعة، 31 ديسمبر 2021 - 01:34 م

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد‭! ‬

أنا‭ ‬عيد‭ ‬ميلادي‭ ‬مالوش‭ ‬معاد‭ ‬

فين‭ ‬الورق‭ ‬والنسمة‭ ‬و‏المقص‭ ‬والقلم‭ ‬يا‭ ‬واد؟‭ ‬

ولا‭ ‬بلاش،‭ ‬ده‭ ‬مفيش‭ ‬أمل‭ ‬

أعياد‭ ‬كتير‭ ‬بيبتدوا‭ ‬و‏بيفرغوا

‭ ‬وبيفضل‭ ‬العالم‭ ‬كده‭ ‬

مكبوس،‭ ‬ودمه‭ ‬تقيل‭ ‬تقيل

يا‭ ‬ربنا،‭ ‬يا‭ ‬اللي‭ ‬خلقت‭ ‬‏لنا‭ ‬الأيادي

‭ ‬للهزار‭ ‬و‭ ‬للعمل

‭ ‬إديني‭ ‬قوة‭ ‬ألف‭ ‬مليون‭ ‬إيد،‭ ‬

عشان‭ ..‬أزغزغه‭!‬خير‭ ‬مفتتح‭ ‬لكلامي‭ ‬من‭ (‬قصيدة‭ ‬قصاقيص‭ ‬ورق‭ )‬لعبقري‭ ‬الفن‭ ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬متعدد‭ ‬المواهب‭ ‬الشامل‭ ‬الجامع،‭ ‬تكاد‭ ‬تحار‭ ‬في‭ ‬تصنيفه‭ ‬تجده‭ ‬منتميا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬فروع‭ ‬الفن‭ ‬واسع‭ ‬العطاء،‭ ‬وغزير‭ ‬الإنتاج‭ ‬يشبعك‭ ‬فنا‭ ‬أينما‭ ‬وجد،‭ ‬أحد‭ ‬صناع‭ ‬البهجة‭ ‬بخفة‭ ‬ظل‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬الجدية،‭ ‬والغوص‭ ‬في‭ ‬هموم‭ ‬وطنية‭ ‬وأخرى‭ ‬فلسفية،‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬مصري‭ ‬وعربي‭ ‬بتلقائيته‭ ‬وحضوره‭ ‬المحبب‭ ‬،ينثر‭ ‬عبير‭ ‬فكره‭ ‬وإبداعاته‭ ‬تارة‭ ‬كشاعر‭ ‬وتارة‭ ‬بدور‭ ‬تمثيلي‭ ‬أو‭ ‬بالغناء‭ ‬العفوي‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬دوره،‭ ‬وتلمس‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بريشة‭ ‬الرسام‭ ‬؛فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬يقدمه‭ ‬بتفرد‭ ‬وتمكن‭ ‬وخطوط‭ ‬مائزة‭ ‬وأفكار‭ ‬ساخرة‭ ‬نقدية‭ ‬فكهة‭ ‬تطلق‭ ‬صيحات‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬الشعب‭ ‬وأوجاعه‭ .. ‬

إنه‭ ‬فنان‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬تحل‭ ‬ذكرى‭ ‬رحيله‭ ‬ال‮٩١‬‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬؛فميلاده‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬‮٢٥‬‭ ‬ديسمبر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬‮١٩٣٠‬‭ ‬حيث‭ ‬نشأ‭ ‬جاهين‭ ‬بين‭ ‬أسرة‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬ـ‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬والده‭ ‬يعمل‭ ‬مستشارًَا‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬القضائي‭ ‬ـ‭  ‬في‭ ‬شارع‭ ‬جميل‭ ‬باشا‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬شبرا،وهو‭ ‬الأخ‭ ‬الوحيد‭ ‬الأكبر‭ ‬لأخواته‭ ‬البنات‭ ‬،حين‭ ‬ولادته‭ ‬لم‭ ‬يطلق‭ ‬صرخة‭ ‬الميلاد‭ ‬المعتادة‭ ‬للأطفال‭ ‬حتى‭ ‬خيم‭ ‬الظن‭ ‬أنه‭ ‬ولد‭ ‬مفارقا‭ ‬للحياة؛‭ ‬حتى‭ ‬دوت‭ ‬صرخته‭  ‬المتأخرة‭ ‬معلنة‭ ‬عن‭ ‬ولادة‭ ‬طفل‭ ‬ليس‭ ‬كأي‭ ‬طفل‭! ‬

كان‭ ‬يتميز‭ ‬بالهدوء‭ ‬الشديد‭ ‬يمارس‭ ‬هواياته‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬العرائس‭ ‬اليدوية‭ ‬ويقدمها‭ ‬لأخواته‭ ‬ليدخل‭ ‬السعادة‭ ‬على‭ ‬قلوبهن‭ ‬فيلعبن‭ ‬بها‭ ‬ويمرحن،ويقضي‭ ‬وقته‭ ‬مستمتعا‭ ‬بهوايته‭ ‬التي‭ ‬ورث‭ ‬ولعه‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬والدته‭ ‬السيدة‭ ‬أمينة‭ ‬حسن‭ ‬وهي‭ ‬القراءة‭ ‬،وكان‭( ‬حكاء‭ )‬ماهرا‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬يحكي‭ ‬لأخواته‭ ‬ما‭ ‬يدخل‭ ‬عليهن‭ ‬البهجة‭ ‬والسرور‭ .‬

تفجرت‭ ‬موهبته‭ ‬الشعريةمع‭ ‬أول‭ ‬قصيدة‭ ‬رثاء‭ ‬نظمها‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬16‭ ‬سنة‭ ‬لشهداء‭  ‬مظاهرات‭ ‬الطلبة‭ ‬بالمنصورة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1946‭. ‬اتجه‭ ‬جاهين‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يكملها؛‭ ‬واتجه‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الحقوق‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬رغبته‭ ‬انصياعا‭ ‬لرغبة‭ ‬والده‭ ‬المستشار‭ ‬ولم‭ ‬يكملها‭ ‬أيضا‭!‬

والمدهش‭ ‬أن‭ ‬موهبته‭ ‬في‭ ‬الرسم‭  ‬تأخرت‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬وقيل‭ ‬إن‭ ‬درجاته‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬لم‭ ‬تزد‭ ‬عن‭ ‬4‭ ‬من10‭..‬وعجبي‭!‬

‭  ‬بدأ‭  ‬جاهين‭ ‬حياته‭ ‬بالعمل‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ (‬بنت‭ ‬النيل‭) ‬ثم‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ (‬التحرير‭) ‬و‭ ‬واكب‭ ‬ذلك‭ ‬صدور‭ ‬ديوانه‭ ‬الأول‭ ‬“كلمة‭ ‬سلام”‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭.‬

“صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬شاعر‭ ‬عظيم‭ ‬كان‭ ‬تأثره‭ ‬بفؤاد‭ ‬حداد‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬اتجاهه‭ ‬للشعر‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬وتجاوزه‭ ‬للزجل‭ ... ‬وقد‭ ‬قدم‭ ‬جاهين‭ ‬لشعر‭ ‬العامية‭ ‬المصرية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقدمه‭ ‬أحد‭ ‬غيره،‭ ‬فقد‭ ‬انقطع‭ ‬خيط‭ ‬البهجة‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬العامية‭ ‬بعد‭ ‬بيرم‭ ‬التونسي‭..‬”

‭     ‬اتخذ‭ ‬جاهين‭ ‬من‭ ‬الرباعيات‭ ‬طريقا‭ ‬يتفرد‭ ‬به‭ ‬شعره‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬مجلة‭ (‬صباح‭ ‬الخير‭) ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬قدمت‭ ‬به‭ ‬رباعيات‭ ‬الخيام‭ ‬الشهيرة،والرباعية‭ ‬في‭ ‬أبرز‭ ‬تعريفاتها‭:‬”‭ ‬قالب‭ ‬شعري‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬فارسية،‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬فنونه‭ ‬المحببة‭.‬”‭ ‬وأغلب‭ ‬الظن‭ ‬وفقا‭ ‬لرأي‭ ‬النقاد‭ ‬“‭ ‬أن‭ ‬رباعيات‭ ‬الخيام‭ ‬ترددت‭ ‬في‭ ‬أصداء‭ ‬بيت‭ ‬جاهين‭ ‬طفلا‭ ‬وفتيا،‭ ‬فحاول‭ ‬جاهين‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬قالب‭ ‬الرباعية‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬قصيدة‭ ‬العامية‭ ‬المصرية‭ ‬ليؤكد‭ ‬الحضور‭ ‬المتميز‭ ‬لهذا‭ ‬القالب‭ ‬الشعري،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬لغته‭ ‬التي‭ ‬تتوسط‭ ‬بين‭ ‬العامية‭ ‬والفصحى،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬صوره‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬تمضي‭ ‬مع‭ ‬الخيال‭ ‬في‭ ‬تأملاته‭ ‬التي‭ ‬تحلّق‭ ‬بين‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭.‬”

صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬يتحقق‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬ماساقه‭ ‬أديبنا‭ ‬الكبير‭ ‬أحمد‭ ‬الخميسي‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬“‭ ‬شاعر‭ ‬مركب‭ ‬عالمه‭ ‬متعدد‭ ‬وغني‭ ‬وطرائقه‭  ‬ودروبه‭ ‬كثيرة‭. ‬إنه‭ ‬مثل‭ ‬صندوق‭ ‬الدنيا‭ ‬يحوى‭ ‬كل‭ ‬المعجزات‭ ‬المتعددة‭ ‬الألوان‭. ‬تشهد‭ ‬رباعياته‭ ‬بأنه‭ ‬فيلسوف‭. ‬تشهد‭ ‬قصائده‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬بأنه‭ ‬قيثارة‭ ‬رقيقة‭ ‬فذة‭ ‬عزفت‭ ‬أنغام‭ ‬العشق‭ ‬واللوعة‭ ‬والمحبة‭ ‬باقتدار‭ ‬نادر‭. ‬تشهد‭ ‬قصائده‭ ‬الوطنية‭ ‬بأن‭ ‬هم‭ ‬الوطن‭ ‬المصري‭ ‬والعربي‭ ‬لم‭ ‬يفارقه‭ ‬منذ‭ ‬ديوانه‭ ‬الأول‭... ‬

‭ ‬أيضا‭ ‬كان‭ ‬لصلاح‭ ‬جاهين‭ ‬فضل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬موضوع‭ ‬و‭ ‬معجم‭ ‬كلمات‭ ‬الأغنية‭ ‬المصرية‭ ‬،‭ ‬فهو‭ ‬أول‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬أدخل‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬“التصنيع‭ ‬الثقيل”‭ ‬و”‭ ‬الاشتراكية‭ ‬“‭ ‬إلى‭ ‬الأغاني‭ ‬وجعل‭ ‬الناس‭ ‬يترنمون‭ ‬بها‭ . ‬هو‭ ‬أول‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬حول‭ ‬برنامجا‭ ‬سياسيا‭ ‬إلي‭ ‬أغنية‭ ‬شائعة‭ ‬محبوبة‭ ‬في‭ ‬“‭ ‬يا‭ ‬أهلا‭ ‬بالمعارك”‭. ‬وحين‭ ‬كتب‭ ‬جاهين‭ ‬قصائده‭ ‬وأغنياته‭ ‬الجميلة‭ ‬تلك‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الناصري‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كما‭ ‬تصور‭ ‬البعض‭ ‬يتقرب‭ ‬إلي‭ ‬النظام،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أحلامه‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬إلي‭ ‬مستقبل‭ ‬مصر‭. ‬أحلامه‭ ‬ب‭ ‬“‭ ‬تماثيل‭ ‬رخام‭ ‬ع‭ ‬الترعة‭ ‬وأوبرا‭ ‬“‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قرية‭ ‬عربية‭ ! ‬صلاح‭ ‬جاهين‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬قدم‭ ‬المشهد‭ ‬الغنائي‭ ‬في‭ ‬رائعته‭ ‬“‭ ‬الليلة‭ ‬الكبيرة‭ ‬“‭ ‬بعد‭ ‬اختفاء‭ ‬المسرح‭ ‬الغنائي‭ ‬بغياب‭ ‬درويش‭ ‬وبديع‭ ‬خيري،‭ ‬فأقام‭ ‬جسرا‭ ‬وصل‭ ‬تاريخ‭ ‬المسرح‭ ‬الغنائي‭ ‬بحاضرنا‭. ‬


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة