عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

حينما تنضب مصادر العيش يتعاظم القلق

الأخبار

السبت، 01 يناير 2022 - 08:11 م

عبدالله البقالى

ليس الأهم فى الظروف الحالية الكشف عن النزيف الذى تتعرض له الموارد الطبيعية، التى تمثل مصادر العيش الرئيسية بالنسبة للبشرية جمعاء، فذلك من باب القول إن السماء فوق رءوسنا، ولكن الأهم والأكثر إثارة أن هدر هذه الموارد يخضع لانعدام توازن خطير جدا بين البشر فى مختلف أرجاء العالم، حيث إن تكلفة هذا الهدر تتباين من موقع جغرافى إلى آخر، وتتفاوت من جماعة إلى أخرى، ويبدو واضحا من خلال المعطيات والحقائق التى يتم الكشف عنها تباعا أن شعوبا معينة، التى تواجه بلدانها تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة بسبب نقص الموارد الطبيعية، وبسبب السياسات العمومية المتبعة فى تلك الأقطار، ونتيجة الشروط والمواصفات التى تحكم النظام الاقتصادى العالمى الذى يتسيده الأقوياء تدفع فاتورة هذا الاختلال غالية، بيد أن شعوبا محظوظة، والتى تعتبر اقتصادياتها والأنشطة البشرية الممارسة هناك مسئولة بصفة رئيسية عن التدهور الخطير والمتواصل فى الموارد الطبيعية.


لنا أن نستدل فى هذا الصدد بما كشف عنه تقرير حديث، صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية، والذى اختارت له عنوان (أنظمة على وشك النفاد)، حيث أكد أن الاستغلاليات الفلاحية الكبيرة التى تتجاوز مساحة كل واحدة منها الخمسمائة هكتار تمثل أكثر من 50 بالمائة من المساحات الفلاحية المزروعة فى العالم، بيد أن الاستغلاليات الفلاحية الصغرى التى لا تتعدى مساحة كل واحدة منها هكتارين تمثل 84 بالمائة من مجموع الاستغلاليات الفلاحية الموجودة، لكنها لا تتعدى نسبة 12 بالمائة من مجموع المساحات الفلاحية المزروعة فى العالم. ويزيد التقرير فى تعريــة المتستر عنه بالقول إن 77 بالمائة من الاستغلاليات الفلاحية الصغيرة فــى الدول ذات الدخل المحدود أو المتوسط، توجد فى مناطق تعانى من نقص وندرة متواصلة فى مادة الماء، فى حين تعرف القارة الأوروبية التى تتميز باقتصاديات قوية معدلات جد منخفضة فى مادة الماء لا تتجاوز نسبتها 8.3 بالمائة، فى حين تصل نفس المعدلات فى مناطق كثيرة من العالم، كما الشأن بالنسبة لدول جنوب الصحراء الأفريقية ودول شرق وغرب آسيا إلى ما بين 45 و75 بالمائة، وأن المساحات الفلاحية، لهذا السبب ولغيره، تراجعت خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى سنة 2017 بمعدل 0.64 إلى 0.80 هكتار لكل مواطن. كما أن المساحات المخصصة للفلاحة فى العالم فقدت منذ سنة 2010 إلى اليوم ما مجموعه 128 مليون هكتار، خصوصا بالنسبة للمساحات التى كانت مخصصة للرعى منذ سنة 2010 إلى الآن. وكل هذا وغيــره كثير إن كان يعنى شيئا ما، فإنه يعنى أن البشرية تواجه تحديا خطيرا جدا يتمثل فى تراجع مهول فى مصادر العيش، لكن ليس كل البشر يواجهون هذا التحدى بمساواة وتكافؤ، بل قلة قليلة من الأشخاص والجماعات والشركات الفلاحية العملاقة مسؤولون مسؤولية مباشرة عما يترتب من هدر للموارد الطبيعية، من تربة ومياه بسبب أنشطتها الفلاحية والصناعية المكثفة. وفى مقابل ذلك فإن الغالبية من سكان العالم، الذين قذفت بهم الأقدار إلى مناطق فقيرة وذات خصاص فى العالم، هم الذين يدفعون تكلفة هذا الهدر والاستنزاف، وتنجو هذه الجهات المتسببة فيما يحدث بجلدها من دفع مقابل ما تتسبب فيه من خسائر فادحة فى مصادر عيش الإنسان.
تفاصيل هذه المعادلة المختلة كثيرة ومتعددة، حسب نفس التقرير، من ذلك القول بأن المصادر الطبيعية فى الكون تتعرض حاليا إلى ضغوطات غير مسبوقة، تتمثل فى الاستغلال المفرط والاستعمالات السيئة، وكثافة الأنشطة التى تترتب عنها مختلف أنواع وأشكال التلوث، واستعمال مواد مضرة.


الإشكال الكبير والمستعصى على الفهم والاستيعاب يتمثل أساسا فيما يؤكده معدو التقرير من أن الطلب على الماء مثلا يتزايد بمعدل مرتين مقارنة مع كتلة الساكنة العالمية، لأن مؤشر الانخفاض فى الماء يتواصل فى الصعود فى نفس الوقت الذى يزيد مؤشر سرعة زيادة معدلات النمو الديمغرافى فى العالم.


لا جدال فى ضوء ما سبق للتأكيد على أن التحديات التى تواجه البشرية فيما يتعلق بالأمن الغذائى العالمي، ولتحقيق المساواة فى تعميم الاستفادة منه، ستزداد خطورة وحدة، وأن معادلة ضمان مصادر عيش السكان الذين تتزايد أعدادهم بوتيرة سريعة، مع الحفاظ على مصادر الطبيعة التى تمثل المنبع الرئيسى للغذاء العالمى وبالتالى لمستقبل العيش، ستزداد تفاقما وتعمقا.
لذلك فإن قضية الأمن الغذائى فى العالم ستزداد تعقيدا، خصوصا بالنسبة للدول الفقيرة وذات الدخل المحدود، التى ستواصل دفع فاتورة العادات الانتاجية والاستهلاكية للشعوب المحظوظة من هذا العالم، الذى تنتمى إليه كل البشرية، لكن ليس كل البشرية ستستفيد مما تتيحه وتنتجه الثروة العالمية.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة