إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى


بعيداً عن المناطق الرمادية

إيهاب الحضري

الأربعاء، 26 يناير 2022 - 07:46 م

 لم تكُن شخصيته باهتة، لهذا لم يعترف بالمناطق الرمادية، وهى سمة تجعل صاحبها يقف على الحافة بين نقيضين: أصدقاء حميمين وخصوم لدودين، مع استبعاد جماعات مصالح لا تنتمى لكلا الفريقين، لكنها تحيط بأى مسئول لتحقيق مكاسب شخصية من موقعه.


 عرفتُ ياسر رزق فى منتصف تسعينيات القرن الماضى. تفصلنا بضع سنوات فى العُمر، ومجالات اهتمام مختلفة، بينما تبقى مساحات الودّ عند معدلات شبه ثابتة. فى تلك المرحلة المُبكرة لا نقاط تماس مهنية بيننا، هو صحفى لامع فى «الأخبار»، وأنتمى لجريدة «أخبار الأدب» التى تحتل عددا من مكاتب الصحيفة الأم بوضع اليد، اعتمادا على منطقة نفوذ مؤسسها الروائى الراحل جمال الغيطانى. بحكم الجيرة كنت ألتقى ياسر رزق كثيرا، وتابعتُ تجربته فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، التى أكّدت قدراته الإدارية والمهنية، وكشفتْ قدرته على إعادة الروح لإصدار ظل شبه ميت لسنوات، وهو ما استمر بعد رئاسته تحرير «الأخبار» فى المرة الأولى.


 فى المرحلة الفاصلة بين مرّتين تولى فيهما رئاسة تحرير الجريدة انتقلتُ للعمل بها، وهكذا أتيحت لى فرصة العمل تحت رئاسته فيما بعد، لأتابع عن قرب أسلوب إدارته للعمل.

قد يختلف البعض حوله دون أن يمتد الخلاف إلى مهنيته، فالإدارة عادة وجهات نظر، بينما تظل المعايير المهنية شبه ثابتة. فى هذه المرحلة تعرّفت أيضا على ياسر رزق الإنسان، الذى ينفعل من فرط الغيرة على العمل، ويشعر المحيطون به أن الشخص المغضوب عليه سيلقى نهاية مأساوية، لكن غضب رئيس التحرير سرعان ما يزول، ويبدأ توجيه مُرتكب الخطأ بهدوء قد تصحبه ابتسامة، تمسح كل ما سبقها من ثورة.


لم أكن قريبا منه، لأن طبيعتى تجعلنى أبتعد عن أى إدارة، بحيث يكون التماس تحت ضغط الضرورة القصوى فقط، غير أن المتابعة عن بُعد جعلت رؤيتى أكثر شمولا، على الأقل من وجهة نظرى. أدركتُ مواطن قوته المهنية، ومناطق ضعفه الإنسانية.

تحمّستُ لرؤيته وأدائه، وتحفّظتُ على بعض قراراته، لكن المُحصلة النهائية أنه حالة استثنائية متكاملة، امتدتْ حتى رحيله، الذى تزامن مع ميلاد كتابه الأول قبل أيام. إنها مفارقات القدر التى تثير دهشتنا فى أحيان كثيرة، لكنها تضمن للراحل غالبا ذكرى خالدة.. وتضمن بقاءه الممتد بداخلنا.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة