عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

نهاية زمن «الذهب الأسود» وبداية زمن (الذهب الأخضر) متى وكيف؟

الأخبار

السبت، 29 يناير 2022 - 07:33 م

عبدالله البقالى

دفعت رزمة من التطورات الأخيرة بقضية زوال عهد البترول إلى واجهة الاهتمام والنقاش فى مختلف الأوساط العالمية، خصوصا منها ما يتعلق بالتغيرات المناخية والتداعيات الخطيرة التى خلفتها جائحة كورونا على سلاسل الإنتاج وحركة النقل الدولى وغير ذلك كثير .


فى هذا الصدد، يرى باحثون من صندوق النقد الدولى أن البترول آخذ فى فقد هيمنته على أسواق الطاقة فى العالم. وأكدوا فى تقرير حديث لهم أن العقود المقبلة ستشهد نهاية عصر النفط، وأن التساؤل لم يعد مقتصرا عما إذا كان هذا الأمر سيحدث أم لا، وإنما انتقل إلى مستوى التساؤل متى سيحدث ذلك؟ وعزا معدو التقرير الأسباب التى تؤشر على نهاية زمن الذهب الأسود إلى حصول تطورات تكنولوجية هائلة توصلت إلى اختراع السيارة الكهربائية وإنتاج الطاقات البديلة أو النظيفة. ويتوقعون بأن النفط لن يسلم من المصير الذى انتهى إليه الفحم الذى كان يعتمد عليه فى السابق، حيث كان يشكل فى زمانه نسبة 80 بالمائة من استهلاك الطاقة فى الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها، لكنه فى مدة لم تتجاوز عشرين سنة فقد هيمنته وفسح المجال أمام النفط الذى استحوذ على مجالات استعمالات الطاقة فى العالم بأسره.


لكن، لا تبدو المسألة بغاية البساطة التى يقدم بها الخبراء هذه القضية بالغة التعقيد، لأن النفط تغلغل بشكل عميق جدا فى مختلف الأنشطة المتعلقة بالنقل والإنتاج والخدمات، فهو يسرى حاليا فى حوالى 60 بالمائة من محركات السيارات والطائرات والشاحنات والبواخر. كما أنه يعتمد بشكل شبه مطلق فى العديد من الصناعات البتروكيماويات القديمة والحديثة، حيث إن نسبة 13 بالمائة من كل برميل نفط يتم انتاجه فى العالم تذهب لصناعة الأكياس البلاستيكية ومواد التجميل وكثير من أنواع الملابس والصباغة، وإنتاج الكهرباء نفسها. والأكثر من ذلك فإنه يعتبر مادة رئيسية فى إنتاج الأسمدة المستعملة فى الفلاحة التى تنتج الغذاء العالمي. وبالتالي، فإن الحديث عن نهاية زمن البترول يتطلب منسوبا عاليا من القدرة على إبداع الحلول البديلة، لان بنية الإنتاج والنقل والصناعة الحالية تعتمد عليه، ومن الصعب التصديق أنه بالإمكان تجاوز هذه البنية التقليدية فى زمن قياسي. ولذلك فإن وتيرة الانتقال الطاقى الراهن، وقوة الإرادة المعلنة فى هذا الصدد من طرف الحكومات وأصحاب القرار فى المجالات الاقتصادية والسياسية تؤشر إلى أن الموعد الذى حددته اللجنة الأوروبية فى آخر توقعاتها لمنع انتاج وبيع السيارات التى تعتمد على البنزين والغاز فى أفق سنة 2035 لن يكون ممكنا.
نعم، هناك معالم تغيير حقيقية، وهناك مؤشرات إيجابية فى هذا الشأن المعقد، من قبيل التطور الكبير الحاصل فى صناعة السيارات الكهربائية، حيث تكشف الإحصائيات الحديثة أن مبيعات هذا النوع من السيارات ارتفع سنة 2021 بنسبة 21 بالمائة، وأن الطاقات البديلة والنظيفة تعيش عصرها الذهبي، إن أمكن القول. وإن الأوساط المناهضة للتدهور البيئى الخطير الذى يجتاح العالم زادت من حدة احتجاجاتها وغضبها تجاه ما تتعرض له البشرية، ولكن مع كل ذلك فإن الحديث عن نهاية زمن الذهب الأسود وتعويضه بصفة نهائية بزمن الذهب الأخضر لا يزال متوقفا على تسريع وتيرة الانتقال الطاقى من بنية تقليدية شاملة إلى بنية جديدة تلغى مصادر الطاقة التقليدية وتعوضها بمصادر طاقية أخرى تكون أقل تكلفة على حياة البشر. وتتجلى هذه الصعوبة فى تباين الآجال التى أعلنتها الدول الكبرى ذات الاقتصاديات القوية المؤثرة فى العالم، حيث تتنبأ الولايات المتحدة مثلا بنهاية عهد البترول فى سنة 2050، بيد أن جمهورية الصين الشعبية ترى أنه لا مجال للحديث عن هذه النهاية قبل سنة 2060، فى حين تقدرها الهند بكثير من واقعية حينما ترى أن هذه النهاية لا يمكن أن تتحقق قبل سنة 2070 .


ومن الصعب الحديث عن تغيير مصادر الطاقة التقليدية دون الحديث عن ضرورة توفير البنية الجديدة، فاستعمال السيارة الكهربائية مثلا، لا يقتصر ولا يتوقف عند نقطة الانتاج، بل يتطلب بنية موازية وحاضنة من محطات شحن جديدة، ومن زيادة كبيرة فى إنتاج الكهرباء الذى يتوقف بدوره على اعتماد طاقات جديدة فى إنتاجه سواء تعلق الأمر بالطاقات الريحية أو الشمسية أو المائية. وإنتاج هذه الطاقات النظيفة يتطلب استثمارات هائلة جدا وتوفر الظروف المناسبة لذلك، والإشكال الكبير أن هذا النوع من الاستثمارات لا يغرى المستثمرين الخواص، خصوصا المستثمرين الذين ينتظرون عائدات مالية ربحية عاجلة وسريعة، مما يعنى القول بأن هذا النوع من الاستثمارات يتوقف على التمويل الحكومى العمومى فى إطار الاستثمار العمومي. ومن هنا تطرح إشكالية أخرى ترتبط بمدى القدرة المالية لجميع الدول على رصد وتخصيص الميزانيات المالية الكافية لتغطية الحاجيات المترتبة عن هذه الاستثمارات الكبرى .
الوجه الآخر للعملة فى هذه القضية، هو أن البنية التقليدية للطاقة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأوضاع السياسية السائدة فى العالم، خصوصا ما يتعلق بالقرار السياسى العالمي. فالجهة التى تتحكم فى إنتاج الطاقةً التقليدية خصوصا النفط، وفى سلاسل التسويق، هى القوى العظمى فى العالم، فى شرقه وغربه، وبالتالى فإن أى تغيير للبنية التقليدية للطاقة ستكون له تداعيات على التحكم فى الإنتاج وسلاسل الإمداد والتسويق، وبالتالى التحكم فى القرار السياسى العالمى.
إن نهاية زمن (الذهب الأسود) حتمية، وحلول زمن (الذهب الأخضر) لا محيد عنه، ولا بديل له، ولكن فى أى وقت، وكيف يمكن تحقيق هذا الانتقال الطاقي؟ هذا هو السؤال الجوهرى الذى تصعب صياغة مشروع جواب نهائى له الآن.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة