عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

ريان.. امتحان دولة فى حماية حياة مواطنيها

الأخبار

الأحد، 13 فبراير 2022 - 07:51 م

عبدالله البقالى

كثير من البسطاء قدروا أن قضية الطفل ريان التى هزت مشاعر العالم بأسره، والذى وافته المنية فى عمق التراب، نالت أكثر مما تستحق. ففى نظرهم فإن الأمر لا يتجاوز حادثا معتادا يتعلق بصبى لقى حتفه فى ظروف مأساوية قد تقل تراجيديا عن الظروف القاسية التى يواجهها ملايين الأطفال فى العالم. فكثير من الصبايا يواجهون ظروفا أكثر صعوبة فى مناطق النزاع الملتهبة فى كثير من مناطق العالم، وألقت بهم فى تجمعات تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم، يواجهون قساوة الطبيعة. وآخرون ابتلعتهم مياه البحار والمحيطات محملين فوق أكتاف آبائهم وأمهاتهم الفارين من مواقع الأخطار والتهديدات. وآخرون يعانون من جراء أوضاع اجتماعية هشة عناوينها كثيرة تتمثل فى الجوع والبرد القارس. وذهب بعض من هؤلاء البسطاء إلى حد القول إن الصبى ريان كان محظوظا بكل هذا الاهتمام الذى حظى به وتحول بسببه إلى قضية رأى عام دولى.


لا جدال ولا نقاش فى أن النفس عزيزة عند الله سبحانه وعند البشر بغض النظر عن عوامل الجنس والدين والعرق والجغرافيا، والشعور بالألم واحد إزاء ما قد تتعرض له هذه النفس من مآس ومعاناة. لكن قضية الطفل ريان نجحت فيما نجحت فيه بطرح مثل هذه المعاناة وجعلها قضية عالمية امتحنت قدرة المجتمع الدولى على التعامل بمرجعية إنسانية مع ما تعانيه الطفولة فى مختلف أنحاء المعمور.
يصعب الجزم بطبيعة الأسباب الحقيقية التى يمكن من خلالها صياغة أجوبة واضحة ومقنعة للهزة التى عاشها العالم بسبب سقوط طفل صغير فى عمق جب. وقد تكون الأقدار الإلهية هى التى أجبرت العالم على إعطاء هذه القضية بعدها الإنسانى العالمي، وفرضتها قضية استرعت اهتمام كبريات وسائل الإعلام الدولية، والشخصيات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية من مختلف المشارب والمواقع الجغرافية .ليس هناك تفسير منطقى لكل هذا الذى حدث غير الاحتماء فى القدرة الإلهية التى سخرت هذا الطفل لتحريك ما عجزت العلاقات الإنسانية فى العالم عن تحقيقه.


قد يساعدنا الفيلم الكورى الجميل (TUNNEL) على الإحاطة بجزئيات مهمة ودالة فى قضية الطفل ريان، حيث طرح الفيلم سؤالا محوريا يتمثل فى جدوى وأهمية صرف الأموال الطائلة لإخراج شخص واحد من قناة وجد نفسه فى داخلها؟ وكان الجواب أن الدولة مطالبة ببذل كل الجهود اللازمة ، وإن تطلب ذلك صرف الملايير لتخليص ذلك الشخص من الموت المحقق الذى يترصده داخل القناة، لأن إنقاذه يعتبر إنقاذا لشعب بأكمله، ولأن الشعب فى مثل هذه الحالات سيشعر بقيمة وأهمية كل فرد من أفراده، وسيثق بأنه مسنود فى وقت الشدائد. ولأن كل فرد من المجتمع سيتمثل نفسه فى تلك الحالة، وأن الدولة تكون فى مثل هذه الحالات معرضة لامتحان المصداقية والإخلاص فى حماية حياة الأفراد من جميع المخاطر التى تهددها. ولذلك يمكن القول إن الجهود المالية والتقنية واللوجستيكية الكبيرة والهائلة التى سخرتها وبذلتها السلطات المغربية لإنقاذ حياة الطفل ريان، كان الهدف منها أولا إنقاذ حياة إنسان، وثانيا التأكيد على مسئولية الدولة فى حماية حياة المواطنين بغض النظر عن عوامل السن والجنس والعرق. ولذلك فجميع الذين شدتهم هذه القضية اعتبروا أنفسهم معنيين بصفة مباشرة بما يحدث، لأن الطفل ريان لمس فيهم أشياء كثيرة وعديدة، ولعل هذا ما يلقى كثيرا من الاضواء الكاشفة على مساحات كبيرة من كل هذا الاهتمام الذى حظيت به قضية ريان بالنظر إلى بعدها الإنسانى والحضارى.


السلطات المغربية أدركت حجم المسئولية الملقاة على عاتقها فى ظروف شديدة الدقة والحساسية . فقد أدركت فى حينه أنها كانت محل مساءلة حقيقية من طرف المغاربة أولا الذين تمثلوا أنفسهم فى ريان، وثانيا لأنها استوعبت بالقدر اللازم وفى التوقيت المناسب أن هذه القضية تجاوزت الحدود وأضحت قضية رأى عام دولي، وبالتالى أصبحت صورة البلد وطبيعة علاقتها بمواطنيها محل اختبار . لذلك لم تتوان لحظة واحدة فى إنجاز مهمتها بمتابعة دقيقة من طرف جلالة الملك محمد السادس، كما تبين من رسالة التعزية التى أعلنت وفاة الطفل ريان، ونجحت باستحقاق فى هذا الرهان، إلى درجة دفعت ممثلا عالميا مرموقا فى حجم ليوناردو دى كابريو إلى الاعتراف فى تدوينة له بالقول: «لم أؤمن يوما بمقولة عالم ثالث، فشاهد ماذا فعلت إحدى هذه الدول من أجل طفل، أما هنا فى أمريكا، وفى هذا الشتاء البارد إذا استيقظت باكرا فى شوارع نيويورك ستجد سيارات تجمع جثث قاصرين مشردين ماتوا بردا دون أن يعرف أو يسمع عنهم أحد» ودفعت الأمم المتحدة والخارجية الأمريكية وبابا الفاتيكان والإتحاد الأوربى وغيرهم كثير من الحكومات والمنظمات الجهوية والدولية إلى الاعتراف والتنويه بما بذلته السلطات المغربية، بأن حركت جبلا كاملا بتقنية عالية واحترافية كبيرة من أجل إنقاذ روح صبى قادته الأقدار إلى المكان الخطأ فى التوقيت الخاطئ.


قضية الطفل ريان لم تقف عند كل هذه الحدود التى انتشرت فى تفاصيلها بصفة مذهلة من خلال اهتمام شعبى ورسمى اكتسح خريطة الكون، بل إنها انتقلت إلى مستوى أعمق يهم القيم الإنسانية، بأن أعادت قيم التضامن والتآزر والتآخى إلى واجهة النقاش العالمى بما تجاوز وداس الخلافات السياسية والاقتصادية المعقدة، وحققت ما عجزت عنه السياسة والرياضة والثقافة والاقتصاد بشكل يدعو إلى الذهول فعلا. فلم يكن من معنى لموجات التضامن والتعازى غير الشعور العام بالحزن والأسى اللذين اجتاحا العالم بأسره بسبب الظروف والملابسات التى رافقت قضية ريان.


وأخيرا شاءت الأقدار التى لا راد لها أن تبذل كل تلك الجهود لإخراج ريان من عمق تجاوز 32 مترا فى عمق الأرض، ليعاد إلى عمق نفس الأرض بعد ساعات قليلة بعد أن وورى الثرى رحمه الله. وتلك إرادة الخالق فى خلقه سبحانه عز وجل.
 نقيب الصحفيين المغاربة


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة