أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

ما بعد الحداثة

أحمد عباس

الأحد، 06 مارس 2022 - 07:48 م

وأما أنا.. فأكره وشوش الزعماء متى ينطقون فلديهم وجوه بلاستيكية تخلو من الشعور أى شعور أحسها دائما تماثيل من شمع ومهما افتعلت الثبات تظل واقفة على ساق واحدة، ثم اننى أنزعج جدا من نبرات أصواتهم -حتى الخائفين منهم- لما يتحدثون عن المكاسب السياسية والخسائر العسكرية، والحروب الالكترونية والعقوبات الاقتصادية والمواد الإغاثية، لا أسمعها إلا صافرات إنذار تشير لدمار وشيك أوعلى الأقل لتخويف مقيت. تعبر نبراتهم على أذنى كأنها شظايا حادة من جليد تخرج من حناجرهم فتصيب العامة والمفجوعين والفاقدين والمفقودين.


وأما آراء دهاقنة السياسة ومداخلات المحللين القيمة المحنكين والخبراء المفوهين فهى بالنسبة لى نهيق أو نعيق ليس أكثر، مجرد نفخ نار فى كير ولا أسمعها سوى محفزات أيضا لصافرات الإنذار التى تدوى فعلا على الأرض فتثير فى الملامح رعبا رهيبا.
وفى مسألة أسعار النفط والزيت والجاز فلا يهمنى -حتى ان اكتوى جيبى بنارها- ارتفاعها وارتفاعها، وماذا يهم إذا كان البشر يغطون بأقدامهم فى جبال من ثلج حائرين بين حدود يتم التنازع عليها، فالوقود حينها لا يعنى لهم سوى كوب شاى دافئ أو وجبة جرى تسخينها بدماء باردة بفعل حروب الزيت، أى أرباح أسعار قد تفيد هؤلاء.. صدقنى لاشىء.
وفى موضوع التحالفات أنا جاهل تماما، فما الفائدة لو خمنت مَن يقف مع مَن، ومَن ضد مَن، ومَن يقف على الحياد فهذا شأن ممل جدا متابعته، مُربك أيضا لو شئت الحقيقة، فتحالفات الحروب شأنها شأن قصص الحب لا شىء فيها يبقى الى الأبد، تغيرها المصالح وتبدلها المواءمات وتنسفها الذخيرة نسفا، ولاتبقى إلا على أسر مشردة مقطوعة الأوصال بين المدن والعواصم والأقاليم، وأحلام فتيات جميلات كن ينتظرن الحبيب لكنه بقى للدفاع وراحت هى لحبيب آخر، تمارس معه حبا جديدا بقلب سيحيى مبتورا.
ولو أردت انصافا فأنا لا تشغلنى مطلقا ارتال الآليات العسكرية الممتدة ومدى حداثتها ولا الأرض التى تتواءم مع قدراتها، أراها ساحة مفتوحة لاستعراض حى لإمكانيات سلاح فتاك -بغرض البيع والشراء وتحقيق أرباح- يجرب أحيانا للمرة الأولى فيفتك بعيون أطفال كانت حتى ليلة البارحة تنتظر صباحا جديدا وحلما جديدا ولعبة جديدة، لكن طوابير النازحين والفارين واللاجئين والخائفين تعود مجددا لتفتك بى أنا فأفيق على قعقعة المجنزرات تدهس عيون الجميع.


يبقى وشوش ملوك ورؤساء القارة البيضاء المرعوبة، فماذا سيقولون لشعوبهم اذا قل الزيت وانطفأت نيران المدفأة، وكيف يبررون موقفهم اذا شح الجاز عن المواقد، وبأى دعوى يحصلون من جيوب شعوبهم أموالا تضمن لهم عيشة رغدة دافئة اذا ثبت أن سياستهم مهما تقدمت هى عاجزة!


هذه مسألة معقدة جدا، كان المبشرون يصفونها بمرحلة «ما بعد الحداثة»، وهذه بداية بشارات ليس أكثر، وهذه أمارات حاصلة لنهايات أوشكت.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة