محمد سلامة
محمد سلامة


حديث الأربعاء

مخاطر «الركود التضخمي» تلوح في الأفق

الأخبار

الثلاثاء، 15 مارس 2022 - 07:20 م

بقلم: محمد سلامة

الأمر لا يخرج عن استغلال أى فرصة قد تلوح فى الأفق لحصد مكاسب ... غنائم حرب يقودها ولايزال مستوردون ... تجار لا يملون ... لايشبعون ... لا يعنيهم من الأمر سوى المكسب بعيداً عن أى شعارات ما بات لها موضع قدم بين مفرداتهم ... أورادهم اليومية ... أذكارهم التى صدعوا رؤوسنا بها صبح مساء ... بنحبك يامصر ... تحيا مصر ...  راجع توقيت وصول أى سلعة واردة دون استثناء للأراضى المصرية ... نصدم بالتأكيد ... كلها دخلت الموانىء ... المطارات المصرية قبل اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية ... قبل تجاوز أسعار البترول أعلى مستوياتها منذ عقود ... استقرار لأسعار الصرف دون تذبذب قد يضرب حسابات الاستيراد فى مقتل ... توافر الدولار عبر قنوات «شرعية» بعيداً عن سوق مواز أو سوق سوداء للعملة باتت من الماضى ... تلك المقدمة تقودنا الى تضخم .

دون مقدمات لا لزوم لها ... تفاصيل غالباً ما يسكنها الشيطان - والعياذ بالله - ... تعالوا نحسبها ... كافة السلع المستوردة المتوافرة فى الأسواق حالياً على اختلافها لم تصل الموانئ والمطارات المصرية بين عشية وضحاها ... الأمر تطلب بالتأكيد حزمة من الإجراءات تستدعى كثيرا من الوقت ... الجهد ... مستندات تحصيل أهاجوا الدنيا ولم يقعدوها حتى الآن اعتراضاً على عدم العمل بها واستبدالها باعتمادات مستندية ... مخاطبات مع موردين ... مصدرين للاتفاق على الأنواع ... الكميات ... من قبل الأسعار ... مواعيد شحن تستغرق بالتأكيد الكثير من الوقت ... إجراءات للإفراج الجمركى ... الصحى مع ما تتطلبه من بعض الوقت والجهد ... وصول للميناء ... تحميل السلع والبضائع ... توزيع على مخازن المستوردين هنا وهناك ... نقل البضائع إلى تجار الجملة ثم القطاعى ...  مشوار يمتد بالتأكيد شهوراً ... حال التفاؤل أسابيع... لكنها أبداً ليست أياماً أو ساعات ... إذا ما اتفقنا بعد هذه المقدمة التى لها لزوم بالتأكيد ... يقودنا الأمر إلى قناعات لا يأتيها باطل المستوردين أو التجار من بين يديها أو من خلفها ... الارتفاع «الجنونى» الأخير بالأسعار ليس وراءه حرب اشتعلت قبل أيام بين شرق وراءه روسيا الإمبراطورية التى غابت شمسها وتحاول استعادتها بقوة ... غرب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتابعها «قفة» أو أوروبا القارة العجوز أملاً  فى استرداد أمجاد باتت من الماضى البعيد ...   الأمر لا يخرج عن استغلال أى فرصة قد تلوح فى الأفق لحصد مكاسب ...

غنائم حرب يقودها ولايزال مستوردون ... تجار لا يملون ... لايشبعون ... لا يعنيهم من الأمر سوى المكسب بعيداً عن أى شعارات ما بات لها موضع قدم بين مفرداتهم ... أورادهم اليومية ... أذكارهم التى صدعوا رؤوسنا بها صبح مساء ... بنحبك يامصر ... تحيا مصر ...  راجع توقيت وصول أى سلعة واردة دون استثناء للأراضى المصرية ... نصدم بالتأكيد ... كلها دخلت الموانىء ... المطارات المصرية قبل اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية ... قبل تجاوز أسعار البترول أعلى مستوياتها منذ عقود ... استقرار لأسعار الصرف دون تذبذب قد يضرب حسابات الاستيراد فى مقتل ... توافر الدولار عبر قنوات «شرعية» بعيداً عن سوق مواز أو سوق سوداء للعملة باتت من الماضى ... تلك المقدمة تقودنا الى تضخم ... بل ركود تضخمى القى بظلاله الكئيبة على الاسواق ولايزال ... لا بيع ... لاشراء ... أسعار تشتعل فى المقابل ...

أحدث تقرير أصدره بنك QNB أكد أن بيئة الاقتصاد المثالية تتطلب مزيج من ارتفاع النمو وانخفاض التضخم ... تزايد فى النشاط مصحوب باستقرار الأسعار ... هذا «الاتزان المثالى» يصعب تحقيقه نتيجة العلاقة الطردية التاريخية بين النمو والتضخم... ارتفاع النمو يؤدى إلى خلق فرص عمل ...  توظيف مزيد من الأفراد  ... الاستغلال الكامل للإمكانات يؤدى بدوره إلى ضغوط على الموارد والأسعار ...  التضخم أو الركود التضخمى من شأنه تفريغ السوق من الاستثمارات الحالية بخروجها تحت ضغوط  الركود ... أحجام الاستثمارات الجديدة عن اقتحام سوق يعانى ركوداً ينسف كل طموحاتها فى تحقيق أرباح تتمناها ...  خلال العقود الماضية من عام 1990 حتى عام 2020 ازدهر الاقتصاد العالمى فى ظل بيئة اقتصاد كلى يُشار إليها عادة بفترة «الاعتدال العظيم»... الفترة التى استفادت فيها الاقتصادات المتقدمة من اعتدال النمو وانخفاض التضخم مدفوعاً بالعديد من الاتجاهات العامة طويلة المدى بما فى ذلك الرقمنة ... العولمة ... التصنيع فى الوقت المناسب ... استقلالية البنوك المركزية ... أدت الرقمنة إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية عبر مختلف البلدان ... فتحت العولمة أسواقاً جديدة ... سمحت لعدد أكبر من القوى العاملة بالانخراط فى الأنشطة المرتبطة بتعزيز القيمة ... تزامنت العولمة مع المكاسب «الجيوسياسية» التى أعقبت نهاية الحرب الباردة 1947-1989 ... انفتاح السوق الصينى الكبير .... تحسن ذلك بفعل التقدم فى إدارة سلسلة التوريد ... البنية التحتية الخاصة بالنقل ... شبكة عالمية للتصنيع فى الوقت المناسب تعمل بمخزونات منخفضة ... أوقات تسليم قصيرة ... تحسين الإنتاجية بالاستجابة للطلبات المتكررة ...

تقليل استغلال الوقت والعمالة والمواد الخام ... فى المقابل كانت الاتجاهات الانكماشية مدعومة بالإصلاحات المؤسسية ... ظهور البنوك المركزية المستقلة التى ركزت أنشطتها على الحفاظ على استقرار الأسعار ... وصلت الاتجاهات التى دعمت «الاعتدال العظيم» ذروتها قبيل الأزمة المالية العالمية بين عامى 2008 و2009 ... قبل أن تتحول بشكل كبير بعد الصدمتين الكبيرتين انتشار فيروس كورونا ... الصراع الروسى الأوكرانى ... بعد فترة من التعافى القوى فى أعقاب الركود الحاد تحت ضغط كورونا عام 2020 بدت هناك أدلة متزايدة على أن وضع الاقتصاد الكلى العالمى يتجه نحو بيئة أقل اعتدالاً تتسم بانخفاض النمو وارتفاع التضخم أو «الركود التضخمى» ...  فى الولايات المتحدة الأمريكية التى لا تزال المحرك الرئيسى للاقتصاد العالمى يتسارع التضخم إلى أعلى مستوى له خلال  40 عاماً ... تشير المؤشرات إلى تباطؤ حاد فى النشاط...تقرير nowcast الذى أصدره بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى وفق تقدير لنمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بناء على البيانات الاقتصادية المتاحة أكد أن هناك ركودا يعانيه الاقتصاد الأمريكى مع احتمال  انتقاله إلى الاقتصادات الأخرى ما يؤدى إلى فترة من «الركود التضخمى» فى مختلف أنحاء العالم ... «الركود التضخمى» قد لا يكون مجرد ظاهرة مؤقتة ترتبط باختناقات العرض نتيجة انتشار كورونا والصدمات الجيوسياسية الأخيرة  ... هناك تغييران رئيسيان يشيران إلى أن عوامل «الركود» العالمى قد تستمر لفترة أطول تتجاوز الدورة الحالية ... العلاقات السياسية بين القوى العظمى العالمية التى تشهد تدهوراً سريعاً يحوّل المكاسب «الجيوسياسية» إلى ركود «جيوسياسي» ... التنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة الامريكية والصين ... العقوبات الأخيرة ضد روسيا فى أعقاب غزو أوكرانيا ...  يسهم ذلك فى محو التأثير الإيجابى للعولمة ... يقوض التصنيع فى الوقت المناسب ...  يخلق أجندة تنطوى على الحمائية وسلاسل توريد ذات الطابع المحلى والأمن الغذائى وإغلاق الحدود أمام تدفقات الهجرة ... 

يجعل الاقتصاد العالمى أكثر عرضة للصدمات السلبية فى جانب الإمداد، مثل الاضطراب أسواق السلع الأساسية الذى أحدثه الصراع الروسى الأوكرانى ... «الركود الجيوسياسى» يؤثر سلباً على الإنتاجية ... تدفقات التجارة والاستثمار ...  يرفع تكاليف الإنتاج ... يوفر بيئة ملائمة لتراجع النمو ... ارتفاع الأسعار على المدى الطويل ... أدت فيروس كورونا مجدداً إلى زيادة كبيرة بالدين العالمى الذى سجل أعلى مستوياته على الإطلاق ... مستويات الدين فى الاقتصادات الكبرى باتت مرتفعة للغاية ما جعلها أكثر عرضة للتأثر بدورة كبيرة من رفع أسعار العائد ... استمرار ارتفاع التضخم لفترة أطول يؤدى إلى الحد من حجم ووتيرة تطبيع السياسة النقدية لكبح نوبات الارتفاع الحاد فى الائتمان والركود المحتمل ... مستويات الديون المرتفعة تجبر البنوك المركزية الكبرى على تقليص إجراءاتها لإدارة التضخم لضمان استقرار الائتمان والتوظيف ... رغم تلميحات «التشديد» من البنوك المركزية الرئيسية الأشهر الأخيرة هناك مجال محدود لاستخدام السياسة النقدية لمحاربة التضخم بشكل أفضل لكنه بمرور الوقت يساهم فى استمرار الضغوط التضخمية ... قد يؤدى انتشار فيروس كورونا  والصراع الروسى الأوكرانى إلى إلغاء المحفزات الناتجة عن «الاعتدال العظيم» على المدى الطويل مما ينتج معه فترة أطول من «الركود التضخمى» من شأنه أن يقوّض كافة المساعى المتعلقة بالسياسة المالية والنقدية التى تم اتخاذها خلال الفترة الأخيرة لمواجهة انتشار كورونا ما يدعم تراجع النمو إلى مستويات ما قبل كورونا ... الحرب فى شبه جزيرة القرم أو الحرب الروسية الأوكرانية تأتى فى الوقت الأسوأ للاقتصاد العالمى ... اتجه العالم الى رفع اسعار العائد على الإيداع والإقراض ... تضخم آخذ فى الازدياد ... بنوك مركزية تعانى ... أسواق مال تحاصرها الاضطرابات ... عدم اليقين ... فاقمت الحرب الروسية الأوكرانية  تلك الأوضاع على نحو تتردد أصداؤه ... تداعياته فى أرجاء العالم لتعصف بأكثر الناس احتياجاً فى أكثر الأماكن هشاشة ... من السابق لأوانه معرفة إلى أى مدى يؤدى الصراع إلى تغيير الآفاق الاقتصادية العالمية ...  مثلما الحال مع انتشار فيروس كورونا ... هاجمتنا أحدث أزمة بشكل خالف كل التوقعات إلى حد كبير... نطاقها... شدتها حتى أماكن اشتعالها ... ارتفعت أسعار الغذاء... الطاقة مع تراجع الإمدادات فى سبب مباشر لمعاناة الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل ... مازالت الاقتصادات الناشئة تعانى آثار انتشار فيروس كورونا ... العام المقبل 2023 تتراجع معه معدلات النمو الاقتصادى ... إجمالى ديون الاقتصادات النائشة قبل أزمة كورونا باتت اعلى كثيرا من قبل... سجلت معدلات التضخم اعلى مستوياتها  خلال 11 عاما ... اتجهت 40% من البنوك المركزية حول العالم إلى رفع أسعار العائد والحبل على الجرار كما يقولون ... بقدر ما كانت كورونا مُدمِّرةً  ... درساً عملياً على قدرة واضعى السياسات للاستجابة بشكل فعَّال فى مواجهة كارثة ... قد تجعل أزمة أوكرانيا من الصعب على كثيرٍ من الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل استعادة مكانتها ...

ارتفاع أسعار السلع الأولية لن يكون الأثر السلبى الوحيد ...  تداعيات الأزمة تصل تتبدى على الأرجح من خلال الصدمات التجارية ... الاضطرابات المالية ...تحويلات العاملين بالخارج ... نزوح اللاجئين ... تعانى البلدان الأقرب إلى الصراع على الأرجح أشد الأضرار الفورية المباشرة بحكم روابطها القوية مع روسيا وأوكرانيا فى المجالات التجارية والمالية والهجرة ... قد تمتد التداعيات إلى أبعد من ذلك بكثير ... بعض الاقتصادات النامية تعتمد اعتمادا كبيرا على روسيا وأوكرانيا فى الحصول على احتياجاتها من المواد الغذائية اللتين تمثلان مصدر أكثر من 75% من القمح الذى تستورده اقتصادات فى أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا ... هذه الاقتصادات قد تتضرر بشكل خاص إذا تعطَّل الإنتاج أو نقل الحبوب من روسيا وأوكرانيا ... البلدان الأقل دخلا  قد يؤدى تعطل الإمدادات وارتفاع الأسعار إلى ازدياد الجوع وانعدام الأمن الغذائى ... روسيا تمتلك وزنًا كبيرا فى سوق الطاقة والمعادن ...تساهم  روسيا بأكثر من 25% من صادرات الغاز الطبيعى ...  18% من الفحم  ... 14% من البلاتين ... 11% من صادرات البترول الخام ... إذا حدث هبوط حاد فى إمدادات هذه السلع الأولية تتضرر قطاعات الإنشاءات والبتروكيماويات والنقل ... تتراجع معدلات النمو الاقتصادى ...  كشفت تقديرات للبنك الدولى أن استمرار ارتفاع أسعار البترول بنسبة 10% لأعوام مقبلة يؤدى إلى انخفاض معدلات النمو فى الاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأولية 10% فى المقابل ...  ارتفعت أسعار البترول أكثر من 100% آخر 6 أشهر بالفعل ... إذا استمر اتجاه البترول الحالى قد نصل الى  انخفاض معدل النمو اقتصادات مستوردة للبترول مثل الصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا 1%  ... فى المقابل وقبل نشوب الحرب الروسية الأوكرانية  كان متوقعاً أن يبلغ معدل النمو فى جنوب أفريقيا  2% سنويا  2022 - 2023 ... فى تركيا  بين 2% الى 3% ... فى الصين وإندونيسيا 5% ... أحدث الصراع الروسى الأوكرانى هزات فى الأسواق المالية ... دفع إلى موجة واسعة من عمليات البيع للأسهم والسندات فى الأسواق العالمية الرئيسية ... ازدياد عزوف المستثمرين عن المخاطر قد يؤدى إلى تدفق رءوس الأموال إلى الخارج من الاقتصادات النامية مع ما يمثله من انخفاض قيمة العملة ... تراجع أسعار الأسهم مع ازدياد علاوات المخاطر فى أسواق السندات يخلق ضغطاً شديدا على الاقتصادات النامية التى ترتفع فيها مستويات الدين... مقابل عجزا كبيرا فى موازين الحساب الجارى... نسباً مرتفعة من الديون قصيرة الأجل المقومة بعملات أجنبية فى اقتصادات أخرى قد تجد صعوبة فى تمديد آجال الديون ... تواجه هذه الاقتصادات ارتفاع التزاماتها لسداد مدفوعات خدمة الدين دون الديون نفسها ... اتجاهات معدلات التضخم للارتفاع قد تدفع البنوك المركزية إلى تشديد السياسات النقدية بوتيرة أسرع ... قد تمتد المعاناة الاقتصادية إلى بلدان تعتمد على تحويلات عامليها  فى بلدان تضررت من الأزمة ... مهمة جد شاقة على واضعى السياسات النقدية والمالية للمواجهة والحد من تداعيات أزمات انفجرت دون سابق إنذار عبر حزمة من الاجراءات  العاجلة لعل أهمها تعبئة الموارد المحلية ... إلغاء النفقات غير الضرورية ... تحسين تدابير متابعة المخاطر المالية ... تقوية السياسات الاحترازية ... دعم شبكات الضمان الاجتماعى ... وأخيراً لنا الله سبحانه وتعالى

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة