محمود الوردانى
محمود الوردانى


بطل من هذا الزمان «2-2»

أخبار الأدب

الجمعة، 18 مارس 2022 - 03:07 م

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬صفحات‭ ‬الرواية‭ ‬يتجاوز‭ ‬250‭ ‬صفحة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأماكن‭ ‬التى‭ ‬تدور‭ ‬فيها‭ ‬بالغة‭ ‬الضيق،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬المنصورة،‭ ‬وفى‭ ‬شوارع‭ ‬وبيوت‭ ‬وكافيهات‭ ‬قليلة‭ ‬جداً،‭ ‬باستثناء‭ ‬مشوار‭ ‬قصير‭ ‬إلى‭ ‬سمنود‭ ‬لشراء‭ ‬الصنف،‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬أماكن‭ ‬قليلة‭ ‬أيضاً‭ ‬فى‭ ‬زايد‭ ‬و6‭ ‬أكتوبر،‭ ‬باستثناء‭ ‬المشوار‭ ‬إلى‭ ‬الأقصر‭ ‬الذى‭ ‬قطعته‭ ‬فرح،‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬الباص‭ ‬إلى‭ ‬الفندق‭ ‬فى‭ ‬رمسيس،‭ ‬ثم‭ ‬شوارع‭ ‬وسط‭ ‬البلد‭ ‬عندما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭.‬

الأسماء‭ ‬أيضا‭ ‬قليلة‭ ‬جداً‭. ‬هناك‭ ‬اسمان‭ ‬فقط‭ ‬هما‭ ‬فرح‭ ‬وجيجى،‭ ‬والأخيرة‭ ‬شخصية‭ ‬ملتبسة‭ ‬أصلاً،‭ ‬ولا‭ ‬أسماء‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭. ‬هناك‭ ‬مثلاً‭ ‬الولد‭ ‬العسّول،‭ ‬الذى‭ ‬يُصبح‭ ‬بعد‭ ‬صفحات‭ ‬الولد‭ ‬الحبّيب،‭ ‬والباقون‭ ‬هم‭ ‬صديقه‭ ‬أو‭ ‬خطيبة‭ ‬صديقه‭.. ‬فلا‭ ‬أسماء‭ ‬عند‭ ‬الراوى،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الشخوص‭ ‬أصلاً،‭ ‬المؤثرون‭ ‬وغير‭ ‬المؤثرين،‭ ‬قليلون‭ ‬جداً‭.‬

الحاضر‭ ‬والمهيمن‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬هو‭ ‬الموبايل‭. ‬ليس‭ ‬للاتصال‭ ‬بالآخرين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬للفرجة‭ ‬على‭ ‬الأفلام‭ ‬وسماع‭ ‬الموسيقى‭ ‬والدخول‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬وممارسة‭ ‬الحياة‭ ‬كاملة‭. ‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬لأحد‭ ‬أو‭ ‬لشىء‭ ‬مطلقاً‭. ‬الموبايل‭ ‬أيضاً‭ ‬ينفعك‭ ‬كجى‭ ‬بى‭ ‬إس،‭ ‬فتركب‭ ‬سيارتك‭ ‬وتتجول‭ ‬كيفما‭ ‬شئت‭. ‬الموبايل‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬هو‭ ‬الحياة‭. ‬تتبادل‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الرسائل‭ ‬وتدير‭ ‬الدنيا‭ ‬وتعرف‭ ‬أخبار‭ ‬من‭ ‬يهموك‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يهموك،‭ ‬وتستطيع‭ -‬أو‭ ‬يجب‭ ‬عليك‭- ‬اصطحابه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

الأسماء‭ ‬القليلة‭ ‬والأماكن‭ ‬القليلة‭ ‬والعالم‭ ‬الضيق‭ ‬الخانق‭ ‬ليست‭ ‬مصادفة‭ ‬فيما‭ ‬أظن،‭ ‬والحضور‭ ‬الطاغى‭ ‬للموبايل‭ ‬ليس‭ ‬مصادفة‭ ‬أيضاً‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬الرواية‭ ‬بانتقالاتها‭ ‬اليسيرة‭ ‬بين‭ ‬ضمير‭ ‬الغائب‭ ‬والمتكلم‭ ‬هى‭ ‬رواية‭ ‬محكمة،‭ ‬وحتى‭ ‬الثرثرة‭ ‬فيها‭ ‬محكمة،‭ ‬ولها‭ ‬دور‭. ‬إيقاع‭ ‬العمل‭ ‬يسمح‭ ‬بالتكرار‭ ‬والدوران‭ ‬فى‭ ‬الأماكن‭ ‬القليلة‭ ‬الخالية‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

كتب‭ ‬حمامة‭ ‬زمنه‭ ‬وأيامه‭ ‬وهواجسه‭ ‬وخيباته‭. ‬حتى‭ ‬الثورة‭ ‬هى‭ ‬حدث‭ ‬عابر‭ ‬يذكره‭ ‬الراوى‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬وينتهى‭ ‬منه،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬حال،‭ ‬لم‭ ‬ينزل‭ ‬إلى‭ ‬الميدان‭ ‬إلا‭ ‬يوماً‭ ‬واحداً،‭ ‬حيث‭ ‬ركن‭ ‬سيارته‭ ‬فى‭ ‬الدقى‭ ‬خوفاً‭ ‬عليها،‭ ‬وشاهد‭ ‬الحشود‭ ‬من‭ ‬مسافة‭ ‬آمنة‭. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬أمسك‭ ‬بإيقاع‭ ‬سمح‭ ‬له‭ ‬بتلك‭ ‬الخفة‭ ‬والنقلات‭ ‬التى‭ ‬تبدو‭ ‬تلقائية،‭ ‬وتماهى‭ ‬مع‭ ‬الموبايل،‭ ‬ولمسنا‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬الموبايل‭ ‬هو‭ ‬العالم‭. ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أضيف‭ ‬سريعاً‭ ‬أننى‭ ‬لا‭ ‬أنحاز‭ ‬لحمامة‭ ‬أو‭ ‬ضده،‭ ‬ضد‭ ‬عالمه‭ ‬وزمانه‭ ‬وأيامه،‭ ‬فهو‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬كاتب‭ ‬ويعرف‭ ‬أسرار‭ ‬الكتابة‭ ‬جيداً،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأولى‭ ‬لجيجى‮»‬‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬كتابه‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الحصر‭. ‬

ربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإنجاز‭ ‬الكبير‭ ‬للكاتب‭: ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬زمانه‭ ‬وأيامه‭ ‬بلغة‭ ‬يسيرة‭ ‬تشبه‭ ‬الوقت‭. ‬وفى‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬قرأت‭ ‬وتابعت،‭ ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬العمل‭ ‬الأول‭ ‬الذى‭ ‬قدّم‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬الجهم‭ ‬والغامض‭ ‬والمتماهى‭ ‬مع‭ ‬الجهاز‭ ‬المعدنى‭ ‬كلى‭ ‬القدرة،‭ ‬والأهم‭ ‬أنه‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬أدواته‭ ‬ونجا‭ ‬من‭ ‬الثرثرة‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً،‭ ‬وهذه‭ ‬الرواية‭ ‬بطبيعة‭ ‬العالم‭ ‬الذى‭ ‬عبّرت‭ ‬عنه‭ ‬كانت‭ ‬مرشحة‭ ‬للوقوع‭ ‬فى‭ ‬الثرثرة‭ ‬والبطء‭ ‬وفقدان‭ ‬الحرارة‭.‬

‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬أحداث‭ ‬فى‭ ‬‮«‬الأولى‭ ‬لجيجى‮»‬‭. ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬بين‭ ‬الولد‭ ‬العسّول‭ ‬وفرح‭ (‬فرح‭ ‬تحديداً‭ ‬شخصية‭ ‬مكتوبة‭ ‬بمهارة‭ ‬لافتة،‭ ‬وتحولاتها‭ ‬وتأملاتها‭ ‬والدور‭ ‬الذى‭ ‬تلعبه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬النجاحات‭ ‬الكبرى‭ ‬لهذه‭ ‬الرواية‭) ‬أما‭ ‬الأحداث‭ ‬والوقائع‭ ‬والتفاصيل‭ ‬الصغيرة،‭ ‬فلا‭ ‬تتوالى‭ ‬بل‭ ‬تسير‭ ‬فى‭ ‬خطوط‭ ‬أفقية،‭ ‬وليس‭ ‬ضرورياً‭ ‬أن‭ ‬تلتقى‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تلتقى‭.‬

يبقى‭ ‬الالتباس‭ ‬فى‭ ‬شخصية‭ ‬جيجى‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أننى‭ ‬معترف‭ ‬أن‭ ‬اللعبة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬فهمى‭ ‬واستيعابى‭ ‬لها،‭ ‬لكننى‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬السيطرة،‭ ‬واستخدم‭ ‬انتحار‭ ‬جيجى‭ ‬الملتبس‭ ‬واستيلاء‭ ‬فرح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬جيجى‭ ‬كإحدى‭ ‬حيل‭ ‬العالم‭ ‬الجديد،‭ ‬كما‭ ‬ألقى‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬بأكواد‭ ‬وشفرات‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬أبناء‭ ‬جيله‭ ‬وزمانه‭ ‬سيتفهمون‭ ‬الأمر‭.‬

وأخيراً‭.. ‬يأ‭ ‬أستاذ‭ ‬محمد‭ ‬حمامة‭ ‬كتّر‭ ‬خيرك‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المتعة‭.‬

[email protected]

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة