د.محمد سليم شوشة
د.محمد سليم شوشة


عصر الرقمنة

الذكاء الاصطناعى وإحياء اللغة المصرية القديمة

الأخبار

الإثنين، 03 يونيو 2024 - 08:30 م

من الفرص الواعدة لهذا الذكاء الاصطناعى أنه ينشئ علاقة خاصة مع اللغات الطبيعية

يمثل الذكاء الاصطناعى الفائق أو التوليدى ثورة حقيقية فى التكنولوجيا، ومنه يبدأ عالم جديد كليا كما نسمع كل يوم من الخبراء والمراقبين حول العالم، إذ يحمل فرصا عديدة للتنمية والاستثمار والتطوير وأشياء كثيرة إيجابية تصور للبعض أن البشرية ستبدأ من بعده عالم اليوتوبيا وستعيش حياة مثالية تماما، وبالمثل يحمل تهديدات خطيرة على مستويات عدة، والأمر فى ظنى وتقديرى يتوقف على موقف الإنسان منه وقدر وعيه له وقدرته على تسخيره واستثماره.


من الفرص الواعدة لهذا الذكاء الاصطناعى أنه ينشئ علاقة خاصة مع اللغات الطبيعية، ويصبح قادرا على معالجتها بذكاء شديد وقادر على تعلمها واستخدامها بشكل عميق، وهذه القدرات ليست مقصورة على لغة بعينها من لغات البشر، وتصلح كذلك لأى لغة رمزية يمكن أن يخترعها البشر المهم أن يكونوا فاهمين لها ومستوعبين لقوانينها، وبخاصة من يقومون على تغذيته وتدريبه على هذه اللغات، حيث يصلون إلى فهم اللغة المراد تعليمها للذكاء الاصطناعى فهما عميقا ويدركون كل أنماط التعبير فيها. وبعدها سيكون الذكاء الاصطناعى قادرا على فهمها بشكل كبير وعميق ولكن بقدرات فائقة جدا ومهولة من حيث الكم والسرعة.


لذلك فكرت لماذا لا نستخدمه فى إحياء اللغة المصرية القديمة؟ لدينا بالفعل خبراء فى اللغة المصرية القديمة قادرون على قراءتها وفهمها وتفسير نصوصها، وهذه القدرات مفتتة بين هؤلاء الخبراء وأساتذة المصريات. أما لو حدث تمكنا من تعليمها للذكاء الاصطناعى فسوف يسهل ذلك كثيرا فى تعليمها لأبنائها أو تعليمها لأى أحد يريد تعليمها حول العالم.
ومع أخذنا فى الاعتبار كم السحرية والتشويق الذى تتسم به اللغة المصرية القديمة فإن ذلك يمكن أن يسهم بشكل كبير فى تعلمها واكتسابها، لعل ذلك يكون سبيلا ومدخلا لتحسين نظرة الإنسان المصرى لحضارته القديمة بعد قرون وألفيات من التضليل والتشويه الذى تم ضد هذه الحضارة العظيمة بقيمها وأخلاقها وقوانينها وعلومها وفنونها وغيرها الكثير من الأسرار والإنجازات. إن الأمر ببساطة لا يحتاج لأى جهد كبير، بل فقط إرادة ورغبة فى إنجاز هذا المشروع الذى هو مفيد للبشرية كلها فضلا عن فوائده العظيمة لنا نحن، إن يسمح بحالة من التصالح بين الحضارات وحالة من المرونة فى استيعاب اختلافاتها. وما يتطلبه هذا المشروع لا يزيد كثيرا عن فريق موسع من خبراء اللغة المصرية القديمة مدعوم بفريق صغير من العاملين فى هندسة الأوامر مع الذكاء الاصطناعى أو المعروفة بـ (prompt engineering) هذا كل شيء، مع الاستمرار فى تزويده بأحدث الأنماط التعبيرية من اللغة المصرية القديمة سواء فى المفردات أو التراكيب أو الدلالة والاستعارات وكل ما يتحقق من أنظمة لغوية.  وبعد أن نعلم هذا المارد اللغة المصرية القديمة سيتكفل هو بتعليمها ونشرها بين الناس. لكن أظن أن الخطر الوحيد المحتمل فى هذه الحالة أن يتعلمها الآخرون من الأمم دون أبناء مصر لأى سبب من الأسباب، وحينها سيزداد معرفة العالم بالحضارة المصرية القديمة حتى ربما فى بعض الدول العربية وبخاصة الخليج الذى يقدّر الحضارة المصرية، ويكون الإنسان المصرى جاهلا بها، ولهذا فأتصور أن الأمر يحتاج إلى رؤية موازية تتصل بدراسة الحضارة المصرية القديمة فى المراحل التعليمية الأولى فى إطار رؤية بسيطة تقوم على توضيحات أساسية تكشف قدر هذه الحضارة وعظمتها وإزالة كل ما أثير من شبهات وأغلاط حولها فيما سبق بجهود مغرضة.


إن قيمة المعلومة التى يحملها كل أثر من آثار الحضارة المصرية القديمة أكبر بكثير جدا من مادة الأثر نفسه أو ما يقدر به من سعر فى بعض الأوساط التى تقوم على اللصوصية والتنقيب، وهذا ما يجب أن يكون راسخا فى وعينا جميعا وبخاصة المواطنين، ويدركوا أن المعلومة التى قد يحملها الأثر ولم نتوصل بعد لفك شفرتها أو فهمها قد تكون أغلى بكثير جدا من أى أموال، إذ المعلومة ربما تتصل بالطاقة أو بالفيزياء أو بالزراعة أو غيرها من القيم الإنسانية من العدالة والحوار والأخلاق أو القوانين وكل هذه الأمور التى قد تنعكس علينا بشكل عظيم ومستدام لو استطعنا فهمها وتطبيقها أو استزراعها فى المجتمع من جديد.
وهكذا فإن البحث عن أسرار الحضارة المصرية لا ينفصل عن البحث فى اللغة المصرية القديمة وضرورة فهمها ودراستها وأن يكون ذلك على نطاق واسع بيننا وليس مقصورا على فئة قليلة أو محدودة، وأتصور أن هذا المدخل من عمل الذكاء الاصطناعى على اللغة المصرية القديمة قد يسهم فى إحيائها وإعادتها إلى عالم التكنولوجيا بحيويته وصخبه الشديد بما يسهم فى نشرها.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة