د. حمدي هاشم
د. حمدي هاشم


نحو تنمية مستديمة للبيئة العمرانية

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 22 مارس 2022 - 07:08 م

د. حمدي هاشم
[email protected]

لا شك من انعكاس الآثار السلبية لظاهرة التحضر العمراني السريع، في النصف الأخير من القرن الماضي، على الظروف الطبيعية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية، في كثير من المدن وخاصة مدن دول العالم الثالث، ومنها المدن والعواصم بالمنطقة العربية، ومن هذه الآثار تزايد التلوث والتدهور البيئي، وتدنى مستويات نوعية البيئة وجودة الحياة. وعليه تقوم جهود وتنمية البيئة في إطار التنمية المستديمة، ونخص بالحديث اليوم عن التخطيط العمراني.

تشمل منظومة العمل الفني في التخطيط العمراني كافة التخصصات (في كل فروع المعرفة) التي تخدم عمليات التنمية العمرانية والتخطيطية، ومنها تخصص المحاسبة وإدارة الأعمال والاقتصاد وغيرها بأقسام كلية التجارة العاملة في مجال الدراسات البيئية، الأساسية في عمليات التخطيط العمراني، وذلك لتوفير بيئة عمرانية متكاملة ومتوافقة مع معطيات المكان: الأرض، مواد البناء، الأشجار والنباتات، المناخ والبيئة، وغيرها، تبعاً لتزايد احتياجات السكان الاجتماعية والاقتصادية، وحماية منظومة البيئة الطبيعية من التلوث والتدهور. وقد انتهت لجنة الأسس والمعايير البيئية بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري من إعداد الدليل الإرشادي (2015) لضبط الإيقاع العمراني والتوافق البيئي، بصرياً وجمالياً، وتوكيد شروط العمران الأخضر.

وفى سبيل ذلك، ينبغي العمل على نشر الوعي بالبيئة ودعم ثقافة العمران الأخضر، والتي تعتمد على التغيير في طرق التصميم والإنشاء وتشغيل المباني، بغرض التحول من مبان تقليدية إلى مبان مستدامة وصديقة للبيئة وعالية الكفاءة، في سبيل المحافظة على الموارد الطبيعية وترشيد الاستهلاك وتقليل التأثير السلبي على البيئة. وتهدف ندوتنا اليوم، في نطاق خدمة الوطن، إلى إعادة زراعة الأشجار المثمرة، وزيادة المساحات الخضراء في الجامعة، وحث الطلاب على المشاركة في الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وتحقيق التنمية المستديمة وفقاً لرؤية (2030).

البيئة الحضرية/ نوعية الحياة

تخضع البيئة الخارجية في محيط معيشة الإنسان إلى طبيعة الظروف المتغيرة من موقع إلى آخر، من النواحي المناخية والجغرافية والطبوغرافية والجيولوجية، وكذلك نوعية مواد البناء، وعادة ما يؤدى التدخل البشرى (الجائر والمستمر) في الموارد البيئة، لتلبية الاحتياجات المادية والحضارية، إلى ظهور مشاكل بيئية عديدة في المكان، ويتطلب ذلك التدخل العلمي لمعالجة هذه الظروف، من خلال التخطيط والتصميم التوافقي بين احتياجات الإنسان ومعطيات المكان. 

وهكذا تظل مفردات البيئة الحضرية، الإنشائية والعمرانية، داخل حيز المدينة وخارجها، وتأثيرها النوعي، كمؤشرات لقياس المستوى الحضاري للأمم ورفاهية وسعادة الشعوب والمجتمعات في الحيز المكاني، وكذلك تقييم المكان من منظور مراعاة العناصر الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والبيئية. ومن ناحية أخرى، قياس صحة وتجانس المجتمعات العمرانية، من حيث نوعية الاستهلاك للموارد الطبيعية المتاحة والحفاظ على حق الأجيال القادمة منها. 

العمران الأخضر/ العمارة الخضراء

يقوم العمران الأخضر على مراعاة الظروف الطبيعية والبيئية، على المستوى المحلى والإقليمي، وتعظيم الخصائص والمميزات النسبية، وكذلك مراعاة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان، من أجل التوسع في توطين المجتمعات العمرانية المتوازنة، حيث تتأثر المنظومة بين العمران والبيئة بعلاقات متشابكة ومتنوعة، وثيقة الصلة بأبعاد التنمية الشاملة. 

وتستمد العمارة الخضراء قوتها من الطاقة المتوافقة مع البيئة، حيث توظف الطاقة الكامنة في الطبيعية، من الهواء وحرارة باطن الأرض والأمواج والأشعة الشمسية وغيرها، مستغلة في ذلك ايجابيات العناصر الطبيعية التي تكاد تخلو من التلوث، فالعمارة الخضراء تقوم على التكامل والتوافق مع عناصر المحيط الحيوي، من خلال سلسلة علاقات عضوية، وترتكز على الحد من سلبيات الآثار الضارة بالبيئة المحيطة، وتعظم الاستفادة من الطاقة الطبيعية.

كما يزداد الاعتماد على قدرات العمران الأخضر، في مواجهة التقلبات المناخية، التي قد تؤثر على المدن والدول، حسب سيناريوهات التغير المناخي العالمي المرتقب. ومنها أساليب تعديل المناخ المحلى بالفراغات العمرانية، من خلال توفير أنظمة تنشيط حركة الهواء، واستخدام الأشجار لترطيب الهواء تحت أسقف الأماكن المفتوحة. وكذلك التوسع في ترشيد الطاقة الكهربائية والمياه والمحافظة على البيئة، فضلا عن التوسع في المباني التي تسهم في توفير مناخ صحي للإنسان.

الموارد المتاحة والكامنة للتنمية المستقبلية

هي كل الموارد الطبيعية والمعطيات البيئية، مثل: الشواطئ المائيـة والأودية والسهول والمدرجات الجبلية وآبار المياه العذبة المنتشرة في الصحراء، وكذلك الخصائص المناخية ومكامن الثروات المعدنية من البترول والغاز والمعادن والذهب ومواد البناء وغيرها، ومعها الطيور والحيوانات والنباتات البيئية النادرة. ويجب مع كل هذه العناصر مراعاة الجوانب المؤدية لتحقيق التوازن المطلوب بين التنمية العمرانية وحماية وصيانة هذه المكونات من التدهور والاستنزاف. 

التوافق بين العناصر الطبيعية والعمران الأخضر 

•    محاكاة المناخ المحلي والاتجاهات المناسبة لكل مبنى، مع الأخذ في الاعتبار أشعة الشمس وميولها ودرجة الحرارة والرياح والأتربة. 
•    مراعاة العوامل المناخية، بدراسة حركة الهواء وتخلخله بين الأبنية أفقيا ورأسياً. 
•    توظيف الارتفاعات الطبوغرافية بالموقع، لتحسين التكويـن التخطيطي العام باختيار مواضع مناسبة للمباني العامة لتحديد خط الأفق. 
•    مراعاة نوعية المساحات المحيطة بالمبنى وألوانها والاستفادة من تأثيرها الفعال على كمية الحرارة المشعة. 
•    الاهتمام بالأشجار والنباتات والمناطق الخضراء والتي تساعد بالإضافة إلى توفير النواحي الجمالية على تقليل كمية الحرارة في الفراغ العمراني. 
•    استخدام مواد بناء وأساليب بناء صديقة للبيئة تقلل من الآثار السلبية على المناطق المحيطة.

المنظومة العمرانية المتجانسة

تستمر العلاقة بين العمران والحياة، في أرجاء مصر والعالم، دون توقف في نمو المدن والتمدد الحضري والتوسع المستقبلي، ولكن يظل الفرق في المواجهة بسلاح الأسس والمعايير البيئية، بغرض التوافق والتوازن بين ذلك النمو وعناصر البيئة المحيطة، بالتنمية المستديمة (المتواصلة)، من أجل تحقيق معادلة احتياجات الإنسان ومعطيات المكان، والحفاظ على الموارد البيئية من التدهور.

وبذلك يهتم البحث عن أنسب الوسائل لتوظيف العناصر الطبيعية المتاحة، والمصالحة بين العمران والبيئة، بمخرجات المنظومة العمرانية المتجانسة، وهي: 

•    مراعاة الأخذ بأسلوب التخطيط الإقليمي في دراسة الموارد الطبيعية والبشرية، لتحديد الإمكانيات المتاحة والكامنة لكل إقليم، بما يحقق التوافق بين العمران والبيئة.
•     معالجة التشريعات والقوانين لتنظم حركة النمو العمراني، بما يتناسب مع البيئة المحيطة، وإيجاد معايير وأسس فنية موحدة للتخطيط والتصميم البيئي في مصر. 
•    العمل على ايجاد محفزات لزيادة الاتجاه الى العمران الأخضر، لدعم وتعزيز هذا التجانس مع متطلبات البيئة وتحقيق الأمان والراحة المعيشية للإنسان. 
•    توافق نمط البناء والتشييد مع معطيات البيئة المحيطة.
•    تكيف أساليب العمران مع البيئة الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات العمرانية. 

ــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور حمدي هاشم، خبير دراسات البيئة والتنمية المستدامة، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للتخطيط العمراني..
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة