زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رجال العزم في رمضان

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 15 أبريل 2022 - 05:31 م

انتفض جسده من قسوة الصوم فى حر أغسطس، حتى وقعت الفأس من يده، وقال لصاحبه: سأفطر حالًا.
نصحه صديقه «منصور» بالتحمل أقل من ثلاث ساعات حتى أذان المغرب، ولكن حر الجنوب -وخاصة فى الغيطان- لا يرحم، فانبطح الرجل على الأرض، ووضع فمه فى مجرى المياه، وارتشف ما ينقذه من الموت.
ولكن منصور ظل يعمل بجد، ليحصد الأمل فى الحفاظ على صيامه، من أنياب سويعات صعبة.

فجأة.. سمعنا صراخًا على أطراف القرية، فهرولنا ورأيت جسد عم «حسين» ممداً على الأرض أمام باب منزله، كان الرجل معروفًا بصموده فى الصوم أيام الحر الشديد.

كنت طفلا حين شَهِدتُ لحظة نطقه الشهادتين، وتغيُّر مجرى العَرق على خديه بابتسامةٍ نادرةٍ، حتى مات وهو صائم.   
تأملتُ حَبلًا كان يشد به وسطَه، فَكُّوه بصعوبه قبل الغُسل، وشممتُ رائحة الكد فى طاقيته، التى نسيها حاملوه على عتبة الباب.
ملأ الصراخُ المكان، ومرغت ابنته -الوحيدة- جسدها بالتراب الساخن، بينما تلطخت زوجته بالطين، وهام الرجال بالبكاء، وانتصر الحزن على حرِّ الشمس فى لحظة.

وكلما توعدتنا الأرصاد بطقسٍ شديد الحرارة جنوبًا.. أستحضرُ المشهد كاملًا، وأترحم على عم حسين، وأغبط الذين صمدوا بصومهم حتى وهبهم عزيمة ينتصرون بها على أصعب الظروف.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة