صابر سعد
صابر سعد


ومضة

صابر سعد يكتب: «أبو القاسم» مَرَّ من هنا

صابر سعد

السبت، 16 أبريل 2022 - 02:15 ص

«الأمل بسيط وقد لا تعيش».. كلمات أو بضع حروف ينطقها لسان طبيب على مسامع إنسان يتلهف على ذرة أمل تمنحه خيطًا يتشبث به للحياة، لا يعلم أنها تزلزل أركان المريض وتطفئ أنواره البسيطة كلها ولو كان مبصرا، كلمات تمنحه تأشيرة الدخول في نفق آخره الموت واليأس من الحياة.
 

هي قصة واقعية في سلسلة متكررة تفرزها ألسنة بعض الأطباء العاتية قلوبهم، بل إنها واقع عايشته مع أحد المرضى الذي تربطني به إحدى علاقات التواصل، عندما أحس بتغييرات في طبيعة وظائف جسده هرول نحو الأطباء ليطمئن عن العلة، لكنها علة أصابته بالصعاقة عندما أخبره الطبيب بأن السرطان صار له رفيقًا وأن حالته تتدهور بشكل سريع.
 
صاعقة.. نعم كانت صاعقة اضطربت معها كل تلابيب أركانه، وأطفأت له هدفه في الحياة، بل أضحى ميتًا يمشي على رجلين، وغاص في أمواج فوق أمواج من الظلام حتى لمح النور الذي ظهر له في غفوة البشرى ليلجأ إلى الله، رفع يده إلى السماء وذرفت عيناه من الحزن، ساق الله إليه طبيبا ماهرا  ليغير له مجرى حياته.
 
في العام ٢٠١٨، أبلغ الأطباء المريض الذي بلغ من العمر عتيا باستحالة إجراء عملية دقيقة لاستئصال الورم.. خبر تبخرت معه أحلامه في العيش حتى أذن له الرحمن الرحيم أن يقابل طبيبًا ماهرًا بدل له اليأس لأمل عريض، ساقه حظه الوفير أن يذهب إلى معهد الأورام التابع لجامعة القاهرة لتسهم تطورات حالته الصحية في أن يشرف على حالته الأستاذ الدكتور حاتم أبو القاسم الأستاذ بالمعهد القومي للأورام -آنَذاك.

كان الدكتور أبو القاسم بالنسبة للمريض كالغواص الماهر الذي انتشله من أعماق ظلام اليأس في الحياة، درس حالته بكل دقة ليلقي إليه طوق النجاة، فأصدر بعدها قرارًا لمريض  ناهز السبعين عامًا بإجراء عملية مجانية دقيقة أنارت حياة أسرة بأكملها، ليروي على مسامعي نجل المريض أنه عندما قدم الشكر للطبيب رد عليه قائلا بكل تواضع: هذا واجبي ورسالتي، ثم انصرف، لكنه لا يعلم حجم المعروف الذي ألقاه في أعناقنا.

لفتة أخرى ترويها إحدى المريضات على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلة إن الأطباء فاجئوها قبل خمس سنوات بضرورة إجراء عملية جراحية عاجلة ونادرة لاستئصال ورم في الكلى اليمني، وكانت في ذلك التوقيت حامل، وتحكي أنها طرقت أبوابًا عديدة لكن أغلبها كان موصدًا في وجهها ومن كانت أبوابه مفتوحة كان يغالي في الأجر بطريقة أرهقت المريضة وزادت الأحمال على كاهلها الذي لم يعد يحتمل المزيد، لكن  الرحمن الرحيم شاء أن يلهمها الذهاب للدكتور حاتم الذي أجرى العملية - التي استمرت لأربع ساعات - بنجاح مع الحفاظ على الجنين غير آبةٍ بمكسب مادي سوى دعوة تصيبه وتنجيه في الدنيا والآخرة.

عندما علمت عن الموقفين زادني الشغف كي أسأل عن هذا الملاك كما يطلق عليه بعض ممن يعالجهم لأفاجأ بسيل من المواقف الإنسانية التي يرويها أناس حالفهم الحظ بالاختلاط بالدكتور حاتم أبو القاسم، وخاصة بعد توليه مقاليد الأمور وتعيينه عميدًا للمعهد القومي للأورام في سبتمبر 2018 والذي أتاح له القدرة والسرعة لخدمة عدد ليس بالقليل من المرضى أغلبهم بسطاء يعالجون من «المرض اللعين»، مهام جِسام زادت عزيمة «أبو القاسم» صلابة حتى بات يقضي ساعات وساعات لتذليل الصعاب وتوفير سبل الراحة لمن ابتلاهم الله في أجسادهم بمرض تَنُوءُ عن حمله الجبال.

 
هل فكرت ذات مرة أن تتصل هاتفيًا أو أن تقابل الدكتور حاتم أبو القاسم؟ .. كل من تعاملوا معه يحكون مواقف تُلين الحديد، حتى على مستوى الإدارة ستجد أنه ناكرُ لذاته يؤثر الآخرين على نفسه وينسب أي نجاح لخليه النحل التي تعمل معه على مدار الساعة لخدمة 300 ألف مريض سنويًا.  

 
أربع سنوات أو أقل قليلا.. مدة قضاها الدكتور حاتم أبو القاسم عميدًا للمعهد القومي للأورام، ونجح خلالها في تحقيق نجاحات خففت أوجاع من يتألمون وزادت من قدرة المعهد الاستيعابية وهذا ليس بغريب على واحد من أمهر الأطباء في مجال جراحة الأورام، وقُبيل توليه منصبه شارك في تأسيس مستشفى 500500 وكان ضمن نخبة شرفت بإدخال "الإنسان الآلي" لإجراء جراحة المناظير لأول مرة في مصر وأفريقيا، فضلا عن تقنيات التسخين الحراري مع العلاج الكيماوي، كما أسس مستشفى دوليا في الصعيد.. وما زال العطاء مستمرا.

 
حفظ الله مصر وكل من يخفف أوجاع المرضى


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة