علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


إنتباه

«الناس معادن»

علاء عبدالوهاب

الأربعاء، 01 يونيو 2022 - 06:24 م

كلمتان بألف كلمة، لو أدرك المرء عمق ما يحملان من معانٍ.  منذ صغرى كانت الجملة تتردد على مسامعى، ممن يكبرنى سنا وخبرة، ومع تقدم العمر بدأت أعى المغزى الحقيقى الذى تكثفه تلك الجملة القصيرة، التى تنتمى إلى مفهوم «ما قل ودل»، إذ هى بالغة الدلالة إن أنت تأملتها بدقة وهدوء.

أى وعى فطرى، وحكمة غير مدعاة لخصا كثيرا من المعانى ها هنا، فمعدن الإنسان يحكم سلوكه، وأفعاله وردود أفعاله، وإذا أدركت ذلك أرحت واسترحت، فلا تستغرب من تصرف ما، ولا تتوقع غيره، أو تراهن على تحول فى لحظة عسرة، ما لم يتواءم مع معدن من أمامك.  المعجم يسعف أحيانا، وإذا مددت يدك لتطالع معنى كلمة معدن، سوف يفاجئك ما يشبه التطابق بين ما درجنا عليه، وما يحتويه موجزا: فالمعدن مكان كل شىء فيه أهله، يقال: فلان معدن الخير والكرم: مجبول عليهما، وموضع استخراج المعادن من ذهب ونحوه.  ولا يفوتك الإشارة إلى الذهب دون أى معدن آخر، فى النموذج الذى ضربه صاحب المعجم.  الذهب أنفس وأرفع المعادن قيمة، لذا تقول إن فلانا جوهره كالذهب، لأن هناك من يكون ظاهره مختلفا، بل من ترى له بريقاً تحسبه ذهبا، وفى حقيقته أقرب لبريق الطين حين تطل عليه الشمس!  تعلمت ـ مع الوقت ـ ألا يبهرنى شكل أو مظهر، ربما لأن الذاكرة تسعفنى بجملة أخرى من نوع الأولى: «أصلك فعلك» إذ العبرة بما تقدم عليه من أفعال، لا ما تتشدق به من أقوال وعبارات منمقة، يجيد البعض اختيار ألفاظها، ونظمها برشاقة، لكن إذا تأملت ما يعقبها من التصرفات تدرك مدى الخواء فى نفس صاحبها!.

فى هؤلاء يجتمع الفطرى الأصيل، والمكتسب الراقى، فيسعدك زمانك بلقاء نموذج رائع للسلوك الإنسانى المستند إلى صفات وقيم أخلاقية، تتمنى أن يكون السائد فيمن حولك.  عندما تهب على الإنسان لحظات صعبة، أو محنة طارئة يتكشف له معدن المحيطين به، ويدرك القيم الحقيقية للناس، ومدى آصالة وصلابة معادنهم فى ذات الوقت، فالقيم الأخلاقية ثابتة باسقة كشجرة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تظلك من قيظ شمس الأزمة، وتسند إليها ظهرك بعد طول عناء أو مشقة مسير.  ويبقى الناس ناسا ومعادن فى كل مكان وزمان.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة