جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الأحوال

24 ساعة سنويًا للفقراء

جمال فهمي

الثلاثاء، 07 يونيو 2022 - 08:44 م

اكتمل قبل أسابيع ١٥عاما على إصدار منظمة الأمم المتحدة قرارا باعتبار يوم العشرين من فبراير موعدا سنويا للاحتفال بما سماه القرار «اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية»، أو يوم لجحافل الغلابة فى دنيانا.

إذن مندوبو حكومات الدول الأعضاء فى المنظمة الأممية الأكبر على سطح الكوكب رفعوا أيديهم أخيرا لصالح قرار يُعد بمثابة اعتراف متأخر جدا (صدر فى العام 2007) بمبدأ إنسانى مهم وخطير، وإن كان قد أشير إلى بعض مقتضياته فى تواريخ سابقة ضمن بنود العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية، ربما أشهرها «العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية» الذى أقرته الأمم المتحدة عام 1966، لكنه لم يوضع موضع التنفيذ إلا فى العام 1976، أى بعد إقراره بعشر سنوات كاملة.

و.. بعد

فإننى أعرف وأعترف أن الحديث اليوم فى أمر «العدالة» عموما والعدالة الاجتماعية خصوصا، هو حديث مؤلم وموجع بالنظر إلى مستوى المظالم والمآسى الإنسانية المروع المتفشى حاليا فى كثير من المجتمعات البشرية ومنها مجتمعاتنا للأسف، على رغم الرطان والضجيج المشتعل صباح مساء، فى بلادنا على الأقل، عن تلك العدالة الغائبة.

لهذا السبب، نقبت وفتشت فى رأسى طويلا عن شيء يمت بصلة للموضوع ويكون فيه بعض «الطراوة»، واهتديت أخيرا إلى ما تبقى فى الذاكرة الواهنة من وقائع فيلم «سارق الدراجة» الذى حققه أبرز رواد تيار «الواقعية الجديدة» فى السينما الإيطالية، المخرج والمبدع الشامل «فتريو دى سيكا» (1901 ـ 1974) مفتتحا به ثلاثيته الرائعة (معجزة فى ميلانو، وإمبرتو دى، إضافة لسارق العجلة) وهى ثلاثية أطلق عليها دى سيكا نفسه وصف «ثلاثية دموع الفقراء».

تجرى أحداث «سارق العجلة» فى العاصمة الإيطالية روما التى كانت خارجة توا من لهيب الحرب العالمية الثانية وهى تجرجر أذيال هزيمة ثقيلة معجونة بخراب الحكم الفاشى بينما البؤس والحرمان والبطالة تسحق بقسوة أغلبية أفراد مجتمعها المنهك، ومن بين هؤلاء بطل الفيلم العامل «أنطونيو» الذى أضناه البحث عن عمل ليتمكن من توفير حد الكفاف لأسرته، لكنه إذ يجد ـ بشق الأنفس ـ فرصة رزق شحيح من خلال شغلانة مؤقتة تتطلب منه اللف والدوران يوميا فى شوارع المدينة لكى يلصق إعلانات ورقية على الجدران، يكتشف أن الفرصة النادرة قد تضيع إذا لم يتمكن من شراء «عجلة» لا يملك من ثمنها مليما واحدا فيضطر إلى بيع «الحِرامين» أو «البطانيتين» اليتمتين اللتين تتغطى بهما الأسرة فى زمهرير الشتاء، ثم بعد أن يفعل ويشترى «العجلة» تُسرق منه قبل أن يبدأ العمل الذى عقد عليه آماله كلها.

وكما يتمسك الغريق بقشة فإن صاحبنا «أنطونيو» يقرر أن يبحث بنفسه عن عجلته المسروقة فيصطحب صغيره «برونو» معه فى رحلة تستغرق كل زمن الفيلم يبحر خلالها (مع كاميرا «دى سيكا» العبقرية) فى عالم الفقراء والبؤساء أمثاله، وفى اللحظة التى تتحقق فيها المعجزة ويعثر «أنطونيو» على عجلته يصدمه أن سارقها يعيش حال أسوأ وأشد عدما من حالته، عندئذ لا يستطيع أن يقاوم تعاطفه مع هذا الحرامى الغلبان فيترك له «العجلة» مشفقا ومؤمنا بأن لا حل سوى أن يسرق هو «عجلة» بديلة يراها مركونة فى الطريق.. غير أنه ما أن يمد يده إليها ويحاول أن يختلسها وينطلق بها حتى يمسكه المارة متلبسا بالسريقة فيوسعونه ضربا وركلا بلا رحمة ولا شفقة، وينتهى الفيلم و«برنو» الصغير يجاهد عبثا لإنقاذ والده الطيب من الهلاك!!

وصباح الخير على كل الغلابة البائسين.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة