عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر


عبد الصبور بدر يكتب: جهاز آدمي مخترق

عبد الصبور بدر

الجمعة، 17 يونيو 2022 - 12:58 م

يظن جدك أنه يمتلك الحقيقة لأنه أنجب والدك، ويظن أبيك أنه يمتلك الحقيقة لأنه ينفق عليك، وتظن والدتك أنها تمتلك الحقيقة لأنها عانت في تغيير "البامبرز"، وتظن زوجتك أنها تمتلك الحقيقة لأنها مطحونة في البيت، ويظن زملاؤك أنهم يمتلكون الحقيقة لأنهم يقدمون تقارير عن سلوكك لرئيسك في العمل.

 ويظن حارس العمارة أنه يمتلك الحقيقة لأنه يوفر لك الصنايعية، ويظن أصدقاؤك على مواقع التواصل الاجتماعي أنهم يمتلكون الحقيقة لأنهم يتفاعلون مع منشوراتك، ويظن سائق الميكروباص أنه يمتلك الحقيقة لأن يده على "الدريكسيون".

 ويظن الحلاق أنه يمتلك الحقيقة لأنه يضع "الموس" على رقبتك، ويظن الساعي أنه يمتلك الحقيقة لأنه يخلص لك أوراقك بين المكاتب، ويظن عامل البوفيه أنه يمتلك الحقيقة لأنه يعد لك القهوة التمام، ويظن السايس أنه يمتلك الحقيقة لأنك تترك له مفتاح العربية، ويظن الفكهاني أنه يمتلك الحقيقة لأنه خبير نقاوة، ويظن الناس في الشارع أنهم يمتلكون الحقيقة لأنهم يسيرون بجانبك.

وأنت مطالب – دائما - بعدم الاعتراض على ما يقوله جدك حتى لا يغضب منك والدك، وأن تسمع كلام والدك حتى لا يحرمك من المصروف، وتطيع أمك حتى لا تشكو من قلة بختها في عيالها، وتنفذ تعليمات المدام حتى لا تنقلب حياتك الزوجية  إلى جحيم، وتتبع نصائح الزملاء حتى تنجو من الخوزقة. 

لابد أن تصغي إلى الحارس حتى لا يغرق البيت إذا باظت الحنفية، ولا تنتصر لوجهة نظرك إذا تعارضت مع أصدقاء الصفحة حتى تضمن استمرار تدفق اللايكات والشير والتعليقات، ولا تعترض على أغاني المهرجانات وقلة أدب سائق الميكروباص حتى لا يرميك من العربية في حتة مقطوعة.

إياك أن تطلب من الحلاق أن يكف عن الرغي حتى تعتق رقبتك من بين يديه، وحافظ على علاقة الود مع الساعي حتى لا تتوه في زحمة المكاتب، وتصرف مع عامل البوفيه على أنه أهم شخص في الكون حتى لا يفسد مزاجك بكوب قهوة "صايص".

 لا تنسى أن تتوسط للسايس في نقل ابنه إلى المدرسة التي يريدها حتى لا يضع سيارتك في الشمس وتتحول إلى فرن، وتعامل مع الفكهاني على أنه مكتشف الذرة حتى لا تكتشف في البيت أن البطيخة قرعة، وامش جنب الحيط حتى تتجنب شجار البلطجية في الشارع بدون سبب. 

حضرتك مجرد جهاز آدمي مخترق من الجميع، ولا يوجد برامج لحمايتك، وحريتك محدودة، ربما تحصل عليها لدقائق معدودة في اليوم عندما تغلق عليك باب الحمام، أو حين تجد نفسك بمفردك في البيت، وأنت تقف أمام المرآة تقول ما تريد من أشياء، دون اعتراض من أحد باعتباره يمتلك الحقيقة. 
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة