أشرف غراب
أشرف غراب


أشرف غراب يكتب: في قمة برلين.. مصر تتحدث وأوروبا تنصت 

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 21 يوليه 2022 - 04:26 م

أنظر اليوم بإعجابٍ وفخرٍ شديدين لما آلت إليه مصرنا فى السنوات القليلة الماضية، فمَنْ كان يُصدِّق أننا ستقوم لنا قائمةً مرة أخرى بعد نحو عشرين عامًا من الرقاد والثبات والإهمال والترهُّل الذى أصاب كل شىءٍ وأى شىءٍ على أرضنا، جرَّاء عُصبة الكراسى الذين سلبونا حتى أحلامنا المشروعة، فى وقتٍ كان العالم من حولنا يصعد القمر محاولًا استكشاف أسراره والعيش والزراعة والإقامة عليه، ومن كان يعتقد أننا سننجو من الخراب والدمار والمآل الذى رسمه لنا أهل الشر، عقب سقوط نظام المخلوع، وتنحيته جانبًا، باختلاق ما يُعرف بالربيع العربى، لكنه فاجأنا بأنه الخريف الذى أتى بالإرهاب والاستبداد والبطش على جناحى السرعة، بتولى الإخوان دفة الحكم مدة عامٍ، كانوا فيها كمن كان جائعًا لعدة قرونٍ، وقد حانت فرصته باصطياد فريسة تحمل فى أحشائها نحو مائة مليون نفس ويزيد، كلهم أملٌ أن يحيوا كرامًا لا لهم ولا عليهم.


فى ثورةٍ بيضاء  "الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣"، ارتدت مصرنا ثياب العفاف والطُهر، دافعت أم البلاد وقلبها عن مكانتها وسيادتها، عن موقعها الفريد وممرها العتيد، عن إرثها الحضارى، ومحيطها العربى، عن ثقافتها ولكنتها، وبشرتها السمراء، وأغصانها الغنَّاء، حيث ظهر مُحبوها وعاشقوها، وهبَّ رجالها ومُناضلوها، ووقف حُراسها ومُناصروها، فأمدوها بسلسبيل دمائهم من كل حدبٍ وصوب، مُدافعين، وصادين، ومُضحِّين بالغالى والنفيس؛ لتقف المحروسة شامخةً كسابق عهدها بين الأمم، تصطحب طريق المجد، وتطال بكبريائها العلا، وبعد عناءٍ ومشقةٍ، وقطعٍ من القوت وكدٍّ حتى الموت، رأيناها عروسًا تسر الناظرين، وبات الكل يخطب ودها؛ ويبغى وصالها، لينال شرف القُرب، ويحظى بمكرمة القبول، لأنها مصر الكبيرة دائمًا، التى تمرض لكنها أبدًا لن تموت.


من قمة جدة للبناء والتنمية، ولقاءٍ القادة الأشقاء فى بلاد الحرمين والخليج العربى، وجو بايدن، رئيس أمريكا الذى زار المملكة العربية السعودية الأيام الماضية، للتباحث حول قضايا المنطقة، خاصةً الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، ومستجدات الأحداث عالميًا، إلى برلين للمشاركة فى حوار "بطرسبرج للمناخ"، والذى سوف تستضيف مصر قمته العالمية "Cop-27" فى شرم الشيخ، نوفمبر المقبل، ثم إلى صربيا حيث العاصمة بلجراد؛ لتدعيم أواصر أحد أهم العلاقات لواحدة من الدول التى تُعد المكون الأساسى اليوغسلافى سابقًا، والتذكير بإنشاء وتأسيس حركة عدم الانحياز بين مصر ويوغسلافيا والهند، كانت صولات وجولات مصر مُمثلةً فى زعيمها الرئيس السيسى، الذى كان حريصًا كل الحرص على إحياء أمجاد وعظمة القاهرة فى توطيد صداقاتها الدولية، ومسيرة العلاقات الممتدة عبر الزمن، والتى كانت منافعها الاقتصادية والتجارية والأمنية، ناهيك عن الاستثمارية ومواجهة ما يطرأ على الساحة الدولية من أزمات، تُمثِّل فى جوانبها مسئولية مشتركة، ورؤى متوافقة، لعبت فيها مصر دورًا رياديًا بارزًا يُعبِّر عن حجمها الذى تستحقه بين الكبار، فكانت مثار احترامٍ للأطروحات، وقبولٍ للحلول، ومحطة سلامٍ تُشد الرحال إليها عندما تتلاطم المشكلات فوق رؤوس الإنسانية فى أى بقعة كانت من بقاع الأرض.


الحضور المصرى لم يكن يومًا غائبًا عن أى منصةٍ تُفيد بنى الإنسان فى أى موطنٍ، عربيًا كان أو أجنبيًا، شرقيًا أو غربيًا، ودائمًا ما يكون فاعلًا ومُؤثرًا، وذا صدى مسموعٍ وملموسٍ ومُشاهد، قديمًا وحديثًا، وإن كنت أرى توسُّعًا فى الأدوار والمسئوليات أكثر، خلال الأعوام التسع الأخيرة، لإدراك القيادة السياسية بالبلاد أن هذا هو الوضع والحجم الطبيعى لدولة ذات حضارة تمتد لأكثر من سبعة آلاف عامٍ، فقطعت العهد على نفسها بألا تترك محفلًا إلا وكانت فيه تدلو بدلوها، ولِمَ لا وهى الدولة التى استطاعت فى بضع سنوات لم تتجاوز أصابع الكفين، أن تُعيد توازنها وثُقلها وبنيتها التحتية واقتصادها المُنهك منذ أكثر من نصف قرنٍ، وتتخطى مُنحنيات الألفية الثالثة بأوبئتها وعقباتها وكوارثها، لتُعلن للجميع عن نفسها، وتمد سواعد العون لمن يطلبه.


من حقك كمصرى أنت تجلس فى شموخٍ وتضع قَدمًا على قَدمٍ، وأنت تستمع إلى الرئيس السيسى، فى كلمته بقمة برلين للمناخ، وخلال لقائه المستشار الألمانى "شولتس"، وهو يقول بأعلى الصوت، إن مصر على استعدادٍ تام لوضع أسسٍ لشراكة قوية مع ألمانيا فى مجال الطاقة بأنواعها، وتصدير الغاز الطبيعى إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبى، أو من خلال إقامة شراكة ممتدة فى إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، وبالأخص من الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بعدما علمت من قبل بأن أروربا كلها بما فيها ألمانيا، تتضوَّر جوعى للغاز، عقب غزو روسيا لأوكرانيا، وتوقف معداتها وآلاتها وسُبل الحياة فيها جزئيًا، بسبب الصراع الدائر، والحرب المُشتعلة فى حنفية التمويل الأوروبى من الغاز، "موسكو وكييف"، ووقوع الاتحاد برمته فى قبضة برميل النفط، ومولدات الطاقة، بل إنك لتقف مزهوًا بما تحقَّق من إنجازات على التراب الوطنى وهو الاكتفاء من الغاز، ذلك السائل الأهم لدوران عجلة الإنتاج لأية دولة، والمَن بالفائض على مَنْ كانوا يقبضون بأيديهم على رغيف الخبز الذى يصلنا منهم، مُمسكين بالعصا من المنتصف، لإملاء سياساتهم وفرض أجنداتهم التى لا تتناسب وقرارنا، وكأن الرئيس يُعلنها من برلين، وعلى منصة قادتها، أننا نستطيع المساعدة، لكنها مشروطة بمن يُصادقنا بشرفٍ ويضع يده فى أيدينا بشراكةٍ متينةٍ صادقةٍ، قائمة على تبادل المنافع، وتكوين الروابط، واحترام السيادة وندية العلاقات.


مصر مُترامية الأطراف هى الموجودة حاليًا، وهى الصورة التى لا نقبل إلا بها، وهى ذلك القلب النابض بنبض أشقائه وجيرانه وأصدقائه وشركائه، التى تتباحث هموم اليمن وفلسطين وسوريا ولبنان، وتجعل كتفها إلى جوار تونس والجزائر والمغرب والعراق، وتلتقى صباح مساء بأخواتها فى الرياض وأبوظبى والدوحة والكويت وعمان وكل العرب، وتطير إلى هناك، حيث قمم المناخ والسلام وتهدئة الأوضاع فى مواطن النزاع، وتتواجد فى الأروقة الاقتصادية تُقدِّم أوراق الخروج من عُنق الزجاجة، وتحقيق الرخاء لمحيطها وقارتها، وجميع الدوائر التى تربطها بها أواصر علاقة قديمة أو جديدة، ما يرفع من معنوياتنا لعنان السماء، ويُحمِّلنا مسئولية الحفاظ عليها، باتخاذ الحيطة والحذر من أولئك الكارهين لنا، المُتربصين بنا الدوائر، من خلال الانتباه لسمومهم المنثورة على التواصل وأبواق التطرف على الفضائيات، وبالشارع من خلال الخلايا النائمة والمندسة بيننا، ورفع درجة الوعى للقصوى، حتى تصل بلادنا لما تأمل لرفاهية شعبنا.


نعلم أن قيادتنا السياسية الحكيمة وحكومتنا الموقَّرة، كانت على مدار الفترة السابقة أقل ما يُقال فى حقها بأنها كتيبة مُقاتلين، وبذل أعضاؤها من الجهد ما يُمكن تسميته إعجازًا لا يُضاهيه إعجاز، وهو ما يراه المواطن رَأى العين، ويُشاهده ماثلًا فى جُملة المشروعات المُقامة على الأرض، والمُكتسبات المُحقَّقة من أجله، والفروق الواضحة فى كل شىء حوله، والنظرة المختلفة عن ذى قبل إليه خارج سربه، لكن أيضًا فى المُقابل، دفع ذلك المواطن من لحمه ودمه وقوته وعرقه وجهده، ما يستوجب مكافأته فى القريب العاجل، بحزمةٍ من جنى الثمار أكثر، محسوسًا وملموسًا، وإن كان هناك شىءٌ من هذا القبيل لبعض الفئات الأشد احتياجًا، فهو قليلٌ من كثيرٍ ينتظره المصريون فردًا فردًا، فقيرهم وغنيهم، فلتُسرع الحكومة الخُطى، وعلى المواطن ألا يتعجَّل ما دامت الزروع المُبشِّرة تنبت فى ربوع وطنه بسرعة البرق، وتُنبئ عن مستقبلٍ مُزدهرٍ مُشرق، فبعد الصبر بلا شكٍ ألف أجرٍ.


وأخيرًا، ومن وجهة نظرى المتواضعة، آمل من حكومتنا الرشيدة أن تُشكِّل بالتعاون مع نظيرتها العربية، لجنة اقتصادية عربية مكبَّرة، تضم صفوة الخبراء من كل قطاعٍ، وتستعين بأعضاءٍ ذى ثقة من الجامعات والقطاع الخاص، لتكون نزيهةً فى قراراتها، ليس لها أهدافٌ إلا الصالح العربى العام، لخلق مناخٍ وقوة اقتصادية عربية تُمكِّننا من صُنع القرار الدولى وفرض الإرادة، وأيضًا لاتصال الموارد الداخلية العربية ببعضها، والاستغناء عن الخارج المتغطرس، الذى يحمل فى طياته أجندات تُمزِّق وحدتنا، وتُضعف قوتنا، وتبخس ثرواتنا، وأثق أننا قادرون على فعل ذلك، وقد فعلناها كثيرًا بعهد القومية والوحدة العربية، وإن كانت مُغايرة الشكل، إلا أنها مُتفقة المقصد ونُبل المضمون، وبإمكانها صناعة الوضع العربى المنشود، وبالطريقة التى نُريد، ويبقى تبنى الفكرة هو الغاية التى يحلم بها كل عربى يبغى العزة لأرض العرب.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة