منى منصور تكتب :طىّ الألم: الكتابة لمواجهة تآكل الذاكرة
منى منصور تكتب :طىّ الألم: الكتابة لمواجهة تآكل الذاكرة


منى منصور تكتب: طىّ الألم: الكتابة لمواجهة تآكل الذاكرة

أخبار الأدب

السبت، 27 أغسطس 2022 - 02:52 م

اختلفت التعريفات حول المعنى الاصطلاحى لفن كتابة السيرة الذاتية ولكن التعريف الواضح والمباشر هو قصة حياة شخص يكتبها بنفسه، وهى بهذا تتشابه مع كتابة المذاكرت إلا أن هناك نقطة خلاف جوهرية بينهما فالأحداث التى يتم تسجيلها فيها تكون معاصرة أما السيرة الذاتية تتميز بأن زمنها متشظٍ، يعتمدعلى الذاكرة.


ورواية «طىّ الألم» للكاتبة هالة البدرى تندرج تحت فن السيرة الذاتية، هذا هو الشق الأول أما الشق الثانى كونها عملاً روائياً فالكتابة هنا تلتزم بزمان ومكان محددين، فالزمن لا يتبع الترتيب الكرونولوجى، وللخيال دور محدود يقتصر على استخدام لغة بلاغية وتشكيل الأحداث الفعلية.

وفق نسق معين وأسلوب يتسق مع الحكى وطريقة تناول الأحداث، بمعنى هل تتبع المنهج الأرسطى التقليدي؟ أم الحداثة مستعينة بتيار الوعى وتقنيته البديعة؟ وهذاهو المنهج الذى اتبعته الروائية هالة البدرى فى كتابة العمل الذى نحن بصدده.


عتبات النص 
الغلاف تلك اللوحة الرمادية التى تتوسطها شجرة تختلط فيها أوارق ذابلة ويتخللها لون مختلف ودرجة من الأخضر، رغم أنه يميل للون الفاتح إلا أنه لا يبهج العين، وكذلك أصيص الزرع تنبت فيه زهور خاوية من بهجة الألوان وروعتها.


العنوان : طىّ الألم  معنى يضع نصب عين القارىء ما خلف العبارة المكونة من مضاف ومضاف إليه. ينضح بالوجع المطوى خلف دفتى هذا الكتاب الزاخز بالفقد والافتقاد.
الإهداء إلى أحمد البدرى فى عليائه.


النص: سيرة ذاتية للكاتبة ورحلة الألم حين فقدت الحبيب والزوج والمسيرة الإبداعية والحياتية بعد هذا الفقد وحالة الافتقاد التى تعانيها هى وأفراد العائلة رغم حرصها على وجوده المعنوى بعد فقده المادى (الفيزيقى).

واستخدام فعل الكينونة الحاضر ورفض فعل كان فى الماضي، الرواية مقسمة لعدة فصول،كل فصل له عنوان فرعى يصف الحكى المسرود تحته.
الفصل الأول له تقسيمات فرعية «جنتى» تستهل العمل بجملة خبرية تقول «أعترف أنى بنيت جنتى هنا على الأرض».


استخدمت الكاتبة ضمير المتكلم على مدار النص تأكيدا لذاتية التجربة، ضمير المتكلم له قدرة على التذكر والاسترجاع والتحليل والاستبطان الذاتى للشخصية المحورية.


 تبدأ من متن الحكى بأن تقدم للقارىء جرعة تفاؤل لتخبره أن الحياة منصفة بقدر، فهى تعطينا أملا متجددا لمن أراد الاستمرار بدعمه للحب، ولكن أحيانا تخذلنا لتحيل إلى واقعها المأزوم وحالة الفقد التى ألمت بها وحرمتها من أن تجنى ثمار تعبها.


«فى اللحظة التى كنت أستعد فيها لأجنى وزوجى ثمار التعب، أنسل من الحياة خفيفا خفيفا»العنوان الثانى «الصعود إلى الشمس» تبدأ فى السرد على التوازى بين حكايا هو شريك فيها وأخرى بعد فقده، هذه سمة فى السير ذاتية فالحكى يعتمد على التداعى والزمن متشظٍ.


 تحب كل الموجودات حولها حتى شجرة المانجو العقيمة تقول:«اغتنمى الفرصة وعيشى الحياة، لكنها تعتصم بالصمت.»


كأنها تحيل خوفها من مرض زوجها على نمو تلك الشجرة وإصرارها على حياتها، هو أيضا يحاول أن يصلح التربة كى يراها مثمرة فيقول:
«لقد خدمناها كثيرا بالسماد»


يتنوع الحكى ما بين السرد المباشر، والمونولوج الداخلى والأسئلة التشككية. 


هل كان يسرق التفكير وحيدا حتى لا يؤلمني، هل كان يترك لعقله فرصة تداعى الأفكار لحياتنا معا؟
هى ترى المواقف العادية التى مرت بهما بنظرة مختلفة وتراجع تصرفاته وردود أفعاله بشكل ممنهج وتروى وتبحث عن معناها الذى لم تدركه حينها، تجد له بعدا نفسيا مر عليها دون أن تحيله للمنطق أو فلسفة حدوثه.


تحت عنوان «سريرى ومعاناة ليس فى الاستيقاظ ولكن فى النوم» تكتب:«أحتاج إلى الانفراد بنفسى إلى بكاء يجمعنى به وحيدة».
تستخدم الميثولوجيا القديمة:
«يأخذنى الافتنان باللازمان واللامكان الذى لا يشوبه شىء إلى الاختفاء فى الأسطورة التى أنتجت طرائق هائلة للتأقلم مع الموت.» 


فى ص 14 تكتب: ليت مشكلتى هى مكان الجسد مثل جدتى «إيزيس»، كنت قطعت الوديان والجبال للبحث عنه وجمع أجزائه لكى يستقيم ويعود.


فى موضع آخر تكتب: «تبدل الألوان مواقعها فى لوحة «ماتيس» «إيكاروس». السماء الزرقاء تحتل الفضاء والجسد أسود و شموسه صفراء أما القلب الأحمر فلم أنتبه له».


على مدار الحكى بكلمات معبرة لا تخطىء الوصول لعقل وقلب القارىء، تصف أبسط الأحداث التى مرت بها سواء فى نطاق عائلتها، الأبناء ووالدتها أو على مدار العمل ومسؤوليتها المهنية، التعامل الحكومى واستيفاء الأوراق المتعلقة بحالة الوفاة.


من الفصل الثانى وحتى نهاية العمل يستمر السرد على التوازى بين الماضى والحاضر.


رحلة الكاتبة
تبدأ مرحلة الكاتبة المهنية والإبداعية تشق طريقها على الأوراق فى قصر لافينى الذى يقع بين مدينتى جنيف ولوزان مشرفا على بحيرة «ليمان»من ناحية وجبال الألب من الناحية الأخرى، ضمن وفد من الكتاب ولمدة ثلاثة أسابيع تبدأ رحلة الكتابة، الميثاق المرجعى يتمثل فى إشارة الكاتبة إلى حوادث تاريخية بعينها تكتب:


«قررت ببساطة أن أكتب عن أحمد عما يحدث لنا، قلت لنفسى لا يهم شكل الكتابة أو إلى أين تقودنى إلى رواية إلى قصيدة إلى سيرة ذاتية.» وأيضا فى السطور الأخيرة من الرواية تكتب:


«قرأت الأوراق التى ظلت حبيسة الأدراج لسنوات وسألت نفسى عن السبب الحقيقى لعدم نشر الرواية المختلطة بوقائع حقيقية من سيرتى؟»
يتعرف القارىء على تفاصيل القصر وأسماء الكتاب ممن تم استضافتهم فيه ماريان لارسن شاعرة دانماركية، الشاعرة الأمريكية سوازن ليفنجستون. نبدأ بصاحب القصر وحكايته-كما أخبرتنا الكاتبة- حيث تكتب: 


تمتلك القصر مؤسسة «ليدج روهلت» التى أسستها جين روهلت بعد رحيل زوجها الناشر الألمانى هنريش روهلت ووهبت لها القصر الذى عاشت فيه مع زوجها الذى نشر لكل من ألبر كامو، وليام فولكنر، إرنست هيمنجواى وفلاديمير نابوكوف.


تضيف للسرد قطعة ألماسية من الرومانسية العذبة عن قصة الحب بين الزوجين أصحاب القصر.  فجين كانت متزوجة ولم تنجب أبناء وكان هو مطلقا ولديه ولدان ثم تضيف فى موضع آخر بعضا من الحب الذى دفعها للإصرار على الطلاق من زوجها؛ من رجل يحمل اسم «ليموج» الثروة ».


للحكاية وجه آخر حيث تمر السنوات ويكتشف روهلت أن أباه الذى تركه جنينا فى بطن أمه الممثلة المغمورة يطرق بابه ذات يوم ليخبره أنه أبوه ويمتلك دار نشر كبيرة .


تعود الكاتبة للماضى الحاضر فى قلبها لتتذكر وربما تتفهم ما صعب عليها فهمه أولم تتنبه لأسباب لم تجد لها ردا مثلا تأجيل زوجها بناء الفيلا، وتتذكر رده حين قال منزعجا: أنا فى عرضك أجلى هذا قليلا، تريثى إلى أن نسدد ثمنها بالكامل.


وتسرد تفاصيل مرضه وآراء الأطباء حول تحديد حقيقة مرضه، نتائج التحليل حتى دخوله المستشفى وإجراء العملية الجراحية.


«سألتنى ما أكثر ما تخشين فى هذه القصة؟
قلت: تآكل ذاكرتى، أخاف ألا أتذكر تفاصيل حياتنا معا والتفاصيل هى عمرى.»


ثم تحكى عن رحلتها بالسيارة  إلى قرية «لافينى «مع الأديبة د/ فوزية أسعد بعد لقاء الأصدقاء الأساتذة بهاء طاهر وجميل عطية وزوجته روت، كانت رحلتهما بالسيارة مغامرة بمعنى الكلمة، الطريق تحيط به الجبال من كل ناحية. تكتب: «نزلنا من السيارة نستطلع ما حولنا، كنا معلقين فوق الجبل وبدا لنا الأفق وكأننا ننظر إلى الأرض من نافذة طائرة.» 


حتى انتهت الرحلة بسلام. هذا الموقف يجعل الكاتبة تستدعى الذكريات لموقف مشابه فى رحلة شهر العسل مع زوجها، فتكتب: تذكرت نفس الموقف مع أحمد ونحن نقضى شهر العسل فوق جبال «صفين» التى تمتد من العراق إلى إيران.


وتهتم الكاتبة بتوثيق شهاداتها عن بعض الأحداث التى عايشتها، حيث تنقلنا للفعالية الثقافية فى رحلتها للخارج: «أمضينا فى «الشاتو» أمسية جميلة، اشترك الكتاب الستة فى قراءات متتالية أمام جمهور متنوع يضم كتابا سويسرين وأعضاء مجلس إدارة الشاتو وبعض سكان المنطقة المهتمين بمتابعة الأنشطة الثقافية.


أخيرا، لقد استمتعت بقراءة العمل، وأتفق مع الكاتبة فى أنها ليست وحيدة بهذا القلب الذى يعى جيدا أن الحب الصادق لا ينتهى فهو باق خارج أسوار العمر.

اقرأ ايضا | بين جوته وباكثير أثر «فاوست» في الأدب العالمي

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة