عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

التكلفة مؤقتة... لكنها باهظة جدا !

الأخبار

السبت، 27 أغسطس 2022 - 08:35 م

عبدالله البقالى

من السابق لأوانه عد الخسائر التى تكبدتها أطراف الحرب الروسية الأوكرانية لحد الآن، لأنها لا تزال ملتهبة وتكاليفها تتعاظم مع مرور الوقت، و لا أحد من المختصين، ولا من الخبراء بإمكانه أن يجازف بتقديم الفاتورة النهائية لها. و كل ما يمكن الحديث عنه حاليا يقتصر على التداعيات المباشرة و غير المباشرة التى خلفتها، و لاتزال تخلفها هذه المواجهة المشتعلة بين القوى الأكثر تأثيرا فى الأوضاع العالمية السائدة، و التى زادت من حجم و معاناة شعوب العالم فى ضمان شروط العيش الكريم.


لكن مع كل ذلك يمكن المجازفة بالحكم بأن التكلفة جد مرتفعة، و تكاد تكون غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى المعاصر، من حيث حجم الخسائر البشرية و المادية التى ترتفع بوتيرة سريعة ومذهلة، والتى لا يمكن تقدير تكلفتها المالية، وهى التكلفة المالية التى تكفى لسد العديد من حاجيات العيش للملايين من الأشخاص فى العالم، الذين يعانون ضنك العيش فى مختلف ربوع المعمور. فشح الموارد المالية يظهر حينما يتعلق الأمر بتحقيق منسوب مقبول من تجويد شروط و ظروف العيش الكريم فى العالم، و حينما يهم الرهان إيجاد الحلول الملائمة والمناسبة لرزمة الإشكاليات والقضايا والتحديات التى تهم العالم، فى القضايا التى تتعلق بالأمن الغذائى العالمى ومواجهة تداعيات التغير المناخى الذى يلقى بألغام خطيرة فى العالم، وبالقضاء على جميع مظاهر الهشاشة الاجتماعية التى تنخر بنيات العديد من المجتمعات، ولكنها تظهر بسخاء كبير حينما يتعلق الأمن بكل ما يمكن أن يدمر هذا العالم، ويعمق أزماته المركبة ويزيد فى معاناة الشعوب. إنها إحدى المفارقات العجيبة التى تطبع العلاقات الدولية المعاصرة وتميز النظام العالمى السائد. كما يمكن أن نتحدث عن الحصيلة الأولية المؤقتة لهذه الحرب التى اشتعلت فى عمق القارة العجوز التى كان يسود الاعتقاد إلى وقت قريب أنها محصنة من مثل هذه المواجهات المسلحة.
فقد تراجعت جميع المؤشرات الاقتصادية المتعلقة فى العالم،

حيث اضطرت جميع الأوساط الاقتصادية والمالية المختصة إلى مراجعة جميع مؤشراتها الخاصة بالنمو الاقتصادى فى العالم، ووجدت نفسها مضطرة إلى إلغاء توقعاتها السابقة والإقرار بأن معدلات النمو الاقتصادى فى العالم ستتراجع بمستويات قياسية غير مسبوقة تجاوزت فى بعض الحالات ما ترتب عن الأزمة الصحية العالمية التى هزت العالم طيلة أكثر من سنتين، حينما تعطلت الحركة الاقتصادية والتجارية فى العالم بسبب تدابير العزل والإغلاق و سد شرايين الإمداد والتسويق والإنتاج. وحينما يقع الإقرار بتراجع معدلات النمو فى العالم ، فإن ذلك يعنى بصفة مباشرة التحاق جحافل بالملايين من الأشخاص بالبطالة، بينما يجد ملايين آخرون من الأشخاص أنفسهم فى مواجهة نقص كبير فى المداخيل، و بالتالى فإن تراجع معدلات النمو يعنى بصفة مباشرة ارتفاعا مهولا فى معدلات الفقر والعوز والهشاشة الاجتماعية، وبالتالى فإن الاستقرار السياسى فى العديد من المناطق فى العالم يصبح مهددا.

ثم إن العديد من الاستثمارات والأصول التجارية فى العالم، خصوصا فى الدول المعنية مباشرة بهذه الحرب أصبحت تواجه مخاطر المصادرة و التأميم، خصوصا من طرف الدول المشاركة فى الحرب التى تسودها أنظمة سياسية شمولية ومغلقة. ولنا أن نستدل مثلا بأن استثمارات بلدان الاتحاد الأوربى التى اختارت، أو فرضت عليها التطورات مواقف و خيارات معينة تصل قيمة استثماراتها المالية فى روسيا إلى أكثر من 311 مليار دولار أورو ( ما يعادل  340 مليار دولار ) ، و حوالى 60 مليار دولار قيمة مستحقات بنوك أوروبية من كيانات روسية، فى حين تقدر الأوساط الاقتصادية المتخصصة حجم الاستثمارات الروسية فى دول هذا الاتحاد بـ136 مليار أورو، وأن أكثر من 23 مليار دولار قيمة السندات الأوكرانية من أوروبا معرضة لمخاطر عدم القدرة عن السداد. وهذا يعنى أن قيمة إجمالية تناهز 600 مليار دولار معرضة لتهديدات حقيقية جراء المواجهة، وستكون لها تداعيات خطيرة على سوق الشغل وعلى الحركة التجارية والرواج المالى والعائدات الجمركية وعلى الأرباح.


ليس هذا فقط، بل إن الأمن الطاقى فى العالم معرض لاهتزازات عنيفة جدا ترتبت عنها لحد الآن تقلبات قوية فى أسعار المنتجات الطاقية التى أفرزت تحديات هائلة، ولا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحدث فى هذا السياق فى المدى المتطور.كما أن التداعيات المباشرة طالت الأمن الغذائى العالمي، لأن الأطراف المتورطة فى هذه المواجهة تعتبر مصدرا نابضا لمنتوجات الغذاء العالمي، وهذا ما يفسر اتجاه مؤشرات العديد من المنتجات الغذائية الأساسية إلى الارتفاع المهول الذى أضحى يلقى بظلال مجاعة حقيقية فى العديد من مناطق العالم . يضاف إلى ذلك الأضرار العميقة و المباشرة التى طالت قطاعات اقتصادية استراتيجية من قبيل السياحة وحركة الطيران والنقل البحرى وغيرها كثير، و التى ما أن خرجت من أزمة خطيرة ترتبت عن انتشار وباء كورونا ، و بدأت تشعر بقليل من التعافي، حتى وجدت نفسها فى أزمة أخطر و أعمق من سابقتها.


لم تقتصر بقعة انتشار زيوت الحرب على المجالات و القطاعات الاقتصادية ، بل امتدت إلى مناطق أخرى لا تقل خطورة، حيث كان من الطبيعى أن تتسبب الحرب فى حالة خوف وهلع لدى الأشخاص الذين كانوا يعتقدون أنهم فى وضع آمن، خصوصا فى منطقة الحرب، فى أوكرانيا و فى الدول المجاورة لها، والذين أجبرتهم المضامين الإعلامية التى تسوق للتغول الروسى على الخوف و القلق و بالتالى الفرار نحو المجهول، و تشير الإحصائيات المؤقتة والأولية فى هذا الصدد إلى أن أكثر من أربعة ملايين شخص نزحوا من أوكرانيا لوحدها فى اتجاه الدول الأوربية، التى أضحت مجبرة، على غير عادتها و سلوكها فى التعاطى مع حركة الهجرة، على استقبالهم وضمان حدود دنيا من العيش لهم .
ثم إن معدلات الثقة فى طبيعة العلاقات الدولية اهتزت بشكل خطير جدا، فلا أحد فى العالم، بما فى ذلك داخل الدول العظمى التى كان يسود الاعتقاد والاقتناع فى قوة ومتانة استقرارها، أضحى مطمئنا وواثقا من علاقات دولية معقدة وتحفل بالمخاطر و التهديدات، وهذا يعنى ضعف منسوب الثقة فى الاستقرار والاطمئنان إلى المستقبل .


هذا فيض من غيض مما يحدث و يجري، و هذه حصيلة أولية و مؤقتة لما يقترفه العظماء من حماقات فى حق البشرية جمعاء.
> نقيب الصحافيين المغاربة


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة