مؤمن خليفة
مؤمن خليفة


بدون أقنعة

الموت غرقًا فى البحر

مؤمن خليفة

الأحد، 28 أغسطس 2022 - 09:50 م

إياكم والهجرة غير الشرعية.. مهما كانت حياتك صعبة فى بلدك فأنت فى أمان .. أعرف أن صعوبة العيش تدفع الإنسان إلى التفكير فى الهجرة مهما كانت صعوبة الرحلة لكنك تهرب إلى الموت غريبا فى بلاد بعيدة، حيث لا يعرفك أحد وحيث تلفظ أنفاسك بعيدا عن الأهل والأحبة.. شعرت بالرثاء والألم وأنا أشاهد تلك المعلمة التونسية وطفلها غارقين فى مياه البحر الأبيض المتوسط بعد غرق المركبة التى استقلتها مع آخرين فى هجرة غير شرعية إلى أوروبا بعد أن يئست من معيشتها والديون التى تحاصرها وقلة الدخل.. كان قرارها صعبا للغاية وكان فرارها أكثر صعوبة.. فجأة اختفت من بيتها بعد أن دفعت مبلغا كبيرا من الدولارات لعصابات تنشط فى الدول الواقعة على ضفة المتوسط.. دفعت عمرها وطفلها إلى الموت غرقا فى عرض البحر بعد أن أوهمتها مافيا الهجرة غير الشرعية بحياة الرفاهية فى الجانب الآخر من المتوسط فصدقتهم..

آلاف الشباب يغامرون بأنفسهم من دول عربية وأفريقية ومن بينهم مصر بالطبع ويقضون نحبهم فى عرض البحر كل عام وهم يحلمون برغد العيش فى الجانب الآخر.. لم أصدق أذنى وأنا أستمع إلى ذاك العامل الخمسينى وهو يروى لى أنه فقد ابنه الأكبر فى عرض البحر قبل عدة سنوات فى هجرة عبر البحر.. وأنه فى العام الذى يليه بعث بولده الثانى «18 عاما» ليكرر نفس الفعلة لكنه وصل بسلام إلى الشواطئ الإيطالية وانضم إلى بعض الشباب بلدياته من الدقهلية فى العمل بالنقاشة.
كان يحكى بفخر كيف أن السفر إلى هناك غيّر حياة أهل هؤلاء الشباب فأعادوا بناء بيوتهم على أحدث طراز معمارى.
ما زلت أتذكر ذلك الشاب الصغير «19 عاما» من الفيوم.. كان يعمل فى تركيب بلاط شقتنا وكان يحلم بالهجرة غير الشرعية عبر الحدود مع ليبيا لأن أسرته تحثه على ذلك الأمر.. كان الابن الوحيد على ثلاث فتيات الذى وضعت فيه آمالها على التكفل بتزويجهن.. حاولت أن أثنيه على عدم الهجرة غير الشرعية وأن ذلك يمثل خطرا عليه وأنه شاب صغير ما يزال أمامه الكثير ليفعله خاصة أنه يكسب من مهنته. وأنه يستطيع أن يساعد نفسه وأهله وهو يعمل فى بلده.
المهم مرت الأيام والشهور وإذا بواحد من زملائه يخبرنى أن الشاب ذهب مع عدد من الشباب بلدياته إلى ليبيا عبر الصحراء وأنهم ماتوا جميعا بعدما ضلوا طريقهم فى الصحراء المترامية.. ما ذنب هذا الشاب الذى دفع حياته ثمنا للوهم!
كثير من الشباب يستغلون الأوضاع الأمنية غير المستقرة فى ليبيا ويحاولون عبور البحر بواسطة عصابات منظمة تعمل على تهريبهم إلى بلدان الاتحاد الأوروبى عبر شواطئ إيطاليا وإسبانيا.


الفقر والجهل والمرض.. مثلث يتحد ضد فئات كثيرة فى دول العالم النامى خاصة مع الأزمات التى تمر بها هذه البلدان والحمد لله أن مصر انتبهت إلى هذا الأمر خلال السنوات الماضية وقامت بجهود كبيرة على مدار السنوات الماضية فى ملف الهجرة غير الشرعية سواء فى الشق التشريعى أو الشق الأمنى أو بالتوعية.


وواكب ذلك تطوير تشريعى يهدف إلى تغليظ العقوبات المتعلقة بالمهربين ومن يقومون بجرائم متعلقة بنقل المهاجرين غير الشرعيين وتوسعت فى نشر برامج الحماية المجتمعية فى كل أرجاء مصر وخاصة فى المحافظات الطاردة وتحسين بيئة العمل وخلق فرص للشباب والتوعية بخطر الهجرة غير الشرعية.
مآس كثيرة تحدث للعائلات بسبب الهجرة غير الشرعية واستسهال الشباب فى التضحية بأرواحهم فى سبيل بناء مستقبلهم وهم لا يدركون أنهم يلقون بأنفسهم إلى التهلكة .. لابد من تعاون دولى مشترك بين الدول الواقعة على ضفة المتوسط من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية .


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة