عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

العالم في مرحلة مخاض غير مسبوقة

الأخبار

السبت، 24 سبتمبر 2022 - 07:31 م

لا مجال للشك فى أن التطورات المتسارعة المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية تزيد المشهد غموضا، إذ بالقدر الذى تتم فيه المراهنة على عامل الزمن من أجل فك خيوط هذه الحرب البالغة التشابك، فإنه بالقدر نفسه، أو أكثر، تتجه هذه التطورات إلى مزيد من التعقيد. وكل ما يمكن للخبراء والمختصين استنتاجه إلى حدود هذه اللحظة، أن هذه الحرب لا تزال مصرة على أن تعبر زمنا آخر يستحيل التكهن بمداه.

وهذا ربما عكس ما توقعته أطراف هذه الحرب نفسها. إذ لا شك أن موسكو كانت تراهن على الحسم فى مصيرها خلال أمد جد منظور، واعتقدت أنها اختارت التوقيت المناسب جدا لإشعال فتيل الحرب للتخلص من الحصى التى وضعها الغرب فى حذائها، وكان شديد الألم عليها و راهنت على أن دخول كييف و إسقاط نظامها السياسى مسألة وقت فقط .

بيد أن الطرف الآخر، الذى ليس هو بكل تأكيد أوكرانيا، قدر أن محاصرة موسكو وإضعافها اقتصاديا و إنهاكها عسكريا و إجبارها على الاستسلام خلال مدى منظور، رهان يمكن كسبه فى ضوء التطورات الكثيرة المتسارعة. إلى أن تبين اليوم أن حسابات هذه الأطراف لم تكن دقيقة، و أنها وجدت نفسها فى ورطة حقيقية يصعب التخلص منها فى الوقت الحاضر أو القريب جدا .

ثمة حقائق كثيرة أفرزتها تطورات هذه المواجهة المسلحة التى تدور على أطراف القارة الأوروبية .

فدول القارة العجوز بدت اليوم أنها ليست بتلك القوة التى سوقت لها طوال عقود من الزمن، فقد تبين أنها عاجزة حتى عن تحقيق أمنها الطاقى واكتفائها الغذائى خلال ظروف الشدة، و أن جزءا هاما من مكونات هذا الأمن الطاقى والغذائى كان يأتيها من الجهة التى لم تخف عداءها يوما عنها .

و ها هى اليوم فى حالة قلق كبير و بليغ إزاء ما ينتظرها خلال الشهور القليلة المقبلة، و ها هى اليوم تواجه غضبا متناميا من كثير من الشعوب الأوروبية التى تدفع من جيبها تكلفة غالية جدا لهذه الحرب الشرسة، و ها هى اليوم تفتقد إلى قوة التأثير فى تطورات الأوضاع العالمية المتسارعة، و بذلك بدت غير مؤثرة وتنتظر ما تقرره قوى عالمية كبرى أخرى. ولعل هذا ما يفسر تنامى بعض الأصوات المعبر عنها من جهات أوروبية رسمية المطالبة بالبحث عن مخرج لهذه الورطة الكبيرة .

و الأكيد أن تكلفة الولايات المتحدة الأمريكية كانت أقل بكثير مما تحملته مجمل الدول الأوروبية، فهى لا تعيش حالة قلق و رعب إزاء العجز الطاقى بالنظر إلى حجم احتياطاتها الهائلة من المواد الطاقية، و أن عملتها الرئيسية لم تعرف فترة تعافى مهمة كما هى عليه اليوم، حيث قفز سعر الدولار فى الأسواق المالية العالمية إلى مستويات قياسية تجاوز بها سعر العملة الأوروبية الموحدة .ثم إنها قبضت بزمام المبادرة والتحكم فى سير التطورات المرتبطة بالأوضاع العالمية السائدة، و خلفت دول الاتحاد الأوروبى وراءها إلى مجرد تابعة و موالية تنتظر ما يتقرر فى البيت الابيض الأمريكى .

وأيضا وجدت جمهورية الصين نفسها فى وضعية لم تكن تتوقعها ، حيث كانت القوى الغربية تلاحقها فى كل كبيرة وصغيرة، خصوصا ما يتعلق بكل ما هو اقتصادى و تجاري، وحاليا فإن خصوم الأمس منشغلون فى حرب ضروس، يضربون ألف حساب لتجنب قيام تحالف قوى ومتين بين روسيا و الصين، لأن من شأن هذا التحالف أن يفسد جميع الحسابات . فهى على الأقل أجلت مواجهتها للمد الاقتصادى الصينى فى العالم إلى حين .

و تدرك بيكين أنه من الضرورى القيام ببعض المناوشات التى من شأنها تكريس هذا الوضع إلى حين . و هذا ما يتأكد على الأقل فى مشاركة الصين بقوة و حماس فى القمة الثانية و العشرين لمنظمة (شانغاي) التى احتضنتها مدينة سمرقند عاصمة أوزباكستان قبل أيام قليلة من اليوم، و هى القمة التى انتهز فرصة انعقادها الرئيس بوتين لحشد مزيد من الأنصار المؤيدين لإحداث مراجعات عميقة فى النظام العالمى الأحادى القطب ، بما يتيح قيام نظام عالمى جديد متعدد الأطراف تفقد فيه الولايات المتحدة الأمريكية القوة على الهيمنة والتحكم.

و هو نفس المسعى الذى تبتغيه بكين حيث كشف الرئيس الصينى عن ذلك بكل وضوح حينما صرح بأن « الصين ترغب ببذل جهود مع روسيا للقيام بدور القوى العظمى، و لعب دور توجيهى لبث الاستقرار والطاقة الإيجابية فى عالم تهزه اضطرابات اجتماعية «

مجمل التطورات المستجدة لا تكشف عن حقيقة ما يجرى فوق الميدان، لأن كل طرف من أطراف هذه المواجهة يحرص على أن يظهر فى حالة انتصار، و الأكيد أن حقيقة التطورات ليست لدى وسائل الإعلام التى يروج كثير منها لأخبار مدروسة ومخدومة، فى إطار الحرب الإعلامية التى لا تقل شراسة و خطورة عن الحرب العسكرية المباشرة، إن لم تكن تتجاوزها من حيث قوة التأثير عن المعنويات وعن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل الحقيقة موجودة فقط فى الواقع الميدانى الذى تخفيه محاولات و جهود التعتيم و التضليل .

لذلك كله و غيره كثير، فإن ما هو مؤكد حاليا، أن الحرب الدائرة رحاها حاليا بين القوى العظمى العالمية تتجاوز خطورتها المتوقعة فى البداية، و أنها شرعت الأبواب أمام تطورات لا يملك أحد إدراك حجمها و تداعياتها على الأوضاع فى العالم. فكل طرف يخرج ورقة جديدة كلما رأى وقدر ذلك مناسبا (إعلان حالة النفير الجزئى من طرف موسكو)، و تصعب عملية توقع مسار هذه المنهجية .

ولذلك لن تجد هذه الحرب الخطيرة نهايتها إلا حينما تقتنع جميع الأطراف باستحالة كسب رهانها، و أن تسويتها المؤقتة، على الأقل لن تكون لفائدة طرف على حساب الطرف الآخر، بل يمكن المراهنة على اقتناع هذه الأطراف باستحالة تحقيق ذلك وتلجأ مضطرة إلى الحوار و المفاوضات .

نقيب الصحافيين العرب
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة