صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


د. زاهى حواس يكتب عن: الملف السرى لتوت عنخ آمون بعد مائة عام

أخبار الأدب

الأحد، 30 أكتوبر 2022 - 02:10 م

يوم 4 نوفمبر 1922، هو يوم لا يمكن أن ننساه لأنه أعظم يوم فى تاريخ الاكتشافات الأثرية حيث تم الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون الذهبية،لكن هناك أحداث مثيرة وغريبة كثيراً ما تغفل عنها المقالات والكتب لأن الكل انبهر ببريق الذهب وحكايات لعنة توت عنخ آمون.هل تتصور أن هذه المقبرة لو كُشفت قبل يوم 28 فبراير عام 1922 لذهب كل ما فيها إلى انجلترا لأن الاستعمار الإنجليزى نهب آثار مصر وتم نقل آلاف القطع الأثرية من مصر إلى المتحف البريطانى، وهناك بعض الكُتَّاب  الذين وصفوا ما حدث باسم «اغتصاب نهر النيل».. وقد تم توقيع معاهدة جلاء الإنجليز عن مصر وذلك يوم 28 فبراير عام 1922، لذلك كان من حسن الحظ أن تكتشف المقبرة بعد جلاء الإنجليز وتحتفظ مصر بكل آثارها.

 

وجدت أن متحف المتروبوليتان لديه 19 تحفة أثرية من المقبرة، وقد جاءت للمتحف هذه الآثار من كارتر ولا نعرف هل كان ذلك إهداء منه أم تم بيع هذه الآثار، وقد استطعت أن أطلب من توم كامبل مدير المتحف أن يعيد هذه الآثار إلى مصر وقد عادت فعلاً.

وقد كان مدير مصلحة الآثار فى ذلك الوقت هو بيير لاكو الفرنسى، وكان الفضل لهذا الرجل فى أن يُصدر قانونا ينص على أن أى مقبرة يتم كشفها كاملة لا تحدث قسمة بين المكتشف ومصر وأن تظل تلك الآثار داخل مصر، وإذا لم تكتشف المقبرة كاملة يتم القسمة مع المكتشف بحيث يحصل على 50٪ من الكشف، وقد أحدث ذلك صراعا بين اللورد كارنڤون وهيوارد كارتر من ناحية، وبين وزير مصلحة الآثار من ناحية أخرى.

وقد حاول لورد كارنڤون أن يثبت أن المقبرة قد سُرقت مرتين لكى يحصل على النسبة المقررة وحاول أن يستميل بعض علماء الآثار لكى يشهدوا ولكن الحقيقة أن المقبرة دفنها اللصوص مرتين ولم يسرقوا منها شيئاً وذلك لأنهم أحسوا بوجود بوليس الجبانة لذلك فروا هاربين.

ومن حظ كارتر أن البوليس ختم المقبرة بختم الجبانة وبعد ذلك جاء الفيضان لكى يسد المدخل بالأحجار ثم تأتى بناء مقبرة الملك رمسيس السادس لكى تسد المقبرة تماماً، وهنا نتساءل بعد مرور مائة عام هل قام اللورد كارتر بسرقة آثار المقبرة، وقبل أن أجيب عن هذا السؤال، دعونى أقدم لكم الرجل الذى سجل اسمه فى التاريخ إلى جوار الملك توت عنخ آمون.

فقد ولد كارتر فى 9 مايو عام 1874 فى منزل متواضع وكان ضمن عشرة أبناء وابنة وحيدة، وكان كارتر موهوباً فى الرسم ولم يتعلم فى مدارس عليا، وجاء إلى مصر لكى يعمل فى رسم الآثار وقد تعلم مهارات الحفر والترميم بجانب التسجيل الأثرى على يد العالم الإنجليزى سير فلندز بترى.

وطالت إقامته فى مصر وتعلم العربية.. هنا سوف أقص عليكم قصة قد تشير إلى حب كارتر للمصريين.. فى عام 1904 تم نقل كارتر لوظيفة كبير مفتشى الشمال ومقره بمنطقة سقارة.

وكان هذا النقل من المفترض أن يكون بمثابة المكافأة لكارتر إلا أنه للأسف كان نقطة فارقة فى حياته فما هى سوى أشهر قليلة وتحديداً يوم 8 يناير 1905 حتى يقوم وفد مكون من 15 فرنسياً من موظفى شركة الكهرباء بزيارة إلى سقارة وللأسف وصلوا إلى المنطقة.

وهم فى حالة سُكر شديد وأساءوا الأدب مع كل من قابلهم، حتى وصل بهم الأمر للاعتداء على الموظف المصرى محمد افندى المسئول عن المنطقة، وكذلك الخفير المعين على السرابيوم! وبعد أن استغاث الخفر بالمنطقة بهيوارد كارتر  فما كان منه إلا أنه أمر الخفر بمواجهتهم وطردهم من المنطقة.


ويبدو أن الخفر كانوا يتشوقون لصدور مثل هذا الأمر من كارتر، فراحوا يضربون الفرنسيين السُكارى بالعصى أو ما يُعرف باسم النبابيت والنعال حتى أشبعوهم ضرباً وأهانوا منهم عددا كبيرا  مما جعلهم يفرون بحياتهم من سقارة، ويكتب مدير شركة الكهرباء الفرنسى شكوى ضد كارتر والخفر مدعياً أنهم اعتدوا على الأطفال والنساء الذين  كانوا مع المجموعة الفرنسية.


على الرغم من الأدلة التى كانت تقف مع كارتر ورجاله فى قضيتهم ضد الفرنسيين ومنها شهادة الحمارين الذين قاموا بنقل الفرنسيين السُكارى من ميت رهينة إلى سقارة إلا أنه تقرر نقل كارتر إلى طنطا التى لم تطل إقامته بها كثيراً فقدم استقالته من منصبه فى 4 نوفمبر 1905 والغريب  أن تاريخ 4 نوفمبر هذا وهو الذى ارتبط بيوم فقده لوظيفته سيصبح بعد أعوام هو ذاته تاريخ اليوم الموعود فى حياة هيوارد كارتر.


وهنا يجب أن أوجه السؤال: هل سرق هيوارد كارتر آثارا من المقبرة؟   ولذلك سوف أسرد معلومات عن هذا الموضوع وسأترك لكم الحكم..0قبل ذلك أوضح أخطاء لورد كارنڤون ممول الحفائر خاصة أنه حرم الصحافة المصرية والعالمية من حق الكشف وأعطى هذا الحق فقط إلى لندن تايمز.

وحصل على خمسة آلاف استرلينى، وتم ذلك لأنه صُدم لأن مصر لن تعطيه أى آثار من المقبرة، وكان هناك أيضاً علماء أجانب حاقدون على كارتر ولذلك فقد وقفوا ضده فى موضوع قسمة المقبرة، وهناك أدلة دامغة على أن اللورد قد سرق آثارا من المقبرة وقد سجل ذلك فى كتاب ألفه توماس  هوڤنج رئيس متحف المتروبوليتان السابق.


أما كارتر فقد كان عنيفاً مع المصريين ولم يسمح لهم بزيارة المقبرة، وقد حدث فى فبراير عام 1924 أن عزم زوجات أعضاء البعثة للدخول لزيارة حجرة الدفن بعد أن قرر فتحها، ولكن مرقص باشا حنا الذى كان وزيراً للأشغال وتقع الآثار تحت إدارته منعه من هذه الزيارة.

وتم طرد كارتر من مصر وحاول البعض أن يصلح ولكن الوزير طلب أولاً أن يعتذر كارتر لكل المصريين وأن يكتب بأنه وإيڤلين ابنة اللورد ليس لهما حق فى الكشف، والحقيقة أن مرقص باشا حنا كان من المعادين للإنجليز والاحتلال البريطانى وقد أدخلوه السجن وبعد أن خرج عُين مديراً للأشغال لذلك بعد أن طرد كارتر من مصر خرجت المظاهرات تهتف باسم الوزير، بل هتفوا وقالوا «يحيا وزير توت عنخ آمون».


لم يجد كارتر أمامه سوى أن يعتذر ويحضر إلى مصر ومعه إيڤلين ابنة اللورد ويتم توقيع اتفاقية بأن ليس لهما الحق فى الحصول على أى أثر من المقبرة وتقوم الحكومة المصرية بإعطاء ابنة اللورد 39 ألف استرلينى وهى قيمة ما دفعه اللورد للكشف عن المقبرة ومن هذه اللحظة أصبح كارتر يعمل لدى الحكومة المصرية فى الكشف عن المقبرة.


وقد وجدت أن متحف المتروبوليتان لديه 19 تحفة أثرية من المقبرة، وقد جاءت للمتحف هذه الآثار من كارتر ولا نعرف هل كان ذلك إهداء منه أم تم بيع هذه الآثار، وقد استطعت أن أطلب من توم كامبل مدير المتحف أن يعيد هذه الآثار إلى مصر وقد عادت فعلاً.


أما الموضوع الثانى فقد وجد موظف الآثار أن هناك قطعة فريدة تمثل رأس نوتوم وكانت مغلفة وموضوعة داخل صندوق لكى ترسل إلى الخارج ولكن موظف الآثار استطاع إيقاف سرقة الرأس، ولكن كارتر فى ذلك الوقت كان يحاضر خارج مصر.. هل هو الذى قام بذلك وأبعد نفسه خارج البلاد؟ لا أستطيع أن أحدد ذلك.


أما الموضوع الثالث فقد جاء من خلال سير آلان جاردنر وكان المسئول عن ترجمة النصوص الهيروغليفية داخل المقبرة وقام كارتر بمكافأته بأن أعطاه بعض القطع الأثرية من المقبرة ولكن جاردنر أعادها إلى مصر ومن خلال حكاياته المُرسلة أوضح أن كارتر كان يتصرف فى الآثار كأنها ملك له وهذا ما دعا صحيفة الجارديان  الإنجليزية أن تعلن أن كارتر كان «حرامى» وسرق آثاراً من المقبرة!


أما حقيقة مقتل توت عنخ آمون، فقد ثبت بالأدلة العلمية ومن خلال دراسة المومياء بالأشعة المقطعية أن الفتحة الموجودة خلف الرأس للتحنيط ووجدنا أن هناك فتحة فى القدم اليسرى جاءت نتيجة حادث تم قبل وفاته بيومين، ونعمل الآن ومعى العَالِم العالمى د. يحيى جاد ود. سمية إبراهيم لكى نعرف هل حدث له تسمم أم لا وإذا كان ذلك صحيحاً فسوف نعلن أن الملك فعلاً مات نتيجة حادث قد يكون حدث فى صحراء منف وهو يصيد الحيوانات المتوحشة.


وقد استطعنا من خلال الحامض النووى أن نصل إلى نتائج مهمة جداً حول عائلة الملك توت فقد وجدنا أن المومياء التى عُثر عليها داخل المقبرة 55 بوادى الملوك تخص الملك أخناتون واتضح أنه والد توت وكذلك ابن الملك امنحتب الثالث والملكة تى.. أما مومياء السيدة الكبيرة التى كانت موجودة داخل المقبرة 35 بوادى الملوك فإنها تخص الملكة تى ابنة المدعو يوبا وزوجته تويا، وكذلك كانت أم الملك أخناتون.. أما المومياء المجاورة لها والمعروفة باسم السيدة الصغيرة.

والتى قيل إنها تخص الملكة نفرتيتى فقد وجدنا أنها تخص أم الملك توت وأنها كانت ابنة الملك امنحتب الثالث والملكة تى أى أن أخناتون قد تزوج من أخته الشقيقة وقد يكون سبب ذلك ضعف بنيانه حيث كان يعانى من Flat Foot فى قدمه، وكذلك كان الدم لا يصل إلى أظافر قدميه وكان مريضا بالملاريا.


ونحن الآن نعمل فى مشروع كبير للكشف عن مومياء الملكة نفرتيتى وابنها عنخ آسن ابن آمون زوجة الملك توت عنخ آمون، حيث لدينا عينات الحامض النووى للمومياوات الملكية التى تعود إلى الأسرة 18 لا يوجد لديها أسماء ولذلك يعمل الآن د. يحيى جاد على حل هذه الألغاز ونرجو قريباً أن نعلن للعالم كله عن كشف مومياء الملكة نفرتيتى.

اقرأ ايضا | طه حسين في ذكري العميد

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة