د. إلهـــام سيـــف الدولـــة حمـــدان
مهرجان الموسيقى العربية.. وبصمات الإبداع المصرية
السبت، 19 نوفمبر 2022 - 09:49 ص
بعد تقديم ليالٍ رائعة امتدت على مدى خمسة عشر يومًا؛ بدأت من 20 أكتوبر حتى 3 نوفمبر من العام 2022؛ طوى مهرجان ومؤتمر الموسيقا العربية صفحة دورته الـحادية والثلاثين؛ إنها الدورة التي تبارى فيها العشرات من الفنانين المصريين والعرب؛ لتقديم ما يقرب من خمسة وسبعين ساعة من الإبداع ؛ الذي تراوح بين العزف والغناء؛ لتستمع وتستمتع بكل هذا العطاء والإبداع الفني؛ آذان ووجدان ما يقرب من خمسة وعشرين ألف مشاهد على مقاعد صالات مسارح الأوبرا والإسكندرية ودمنهور ومسرح معهد الموسيقا العربية؛ ولتحصد إيرادات المهرجان ـ بحسب الإحصائيات ـ ما يقارب من 16 مليون جنيه؛ بالإضافة إلى مشاهدي المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي .
ولكن ما يعنينا في المقام الأول ـ قبل إحصاءات الإيرادات ـ هو جوهر المادة الفنية الإبداعية التي قام المهرجان بتقديمها؛ وماذا كَتَب في أضابيره من توصيات؛ ثلة التوصيات التي نتمنى أن تدخل في حيز ( القرارات ) المُلزمة بالتطبيق والمساءلة عمَّا تم تنفيذه منها في الدورة القادمة؛ وحتى لا تكون "حبرًا على ورق " !
وأود أن أشير إلى بعض النقاط المهمَّة في التوصيات التي قدمها المهرجان في ختام دورته .. وقبل أن يُسدل الستار وتُطفأ الأنوار في قاعات وصالات خشبات المسارح في أماكن انعقادها؛ وأتمنى أن أنول شرف المحاولة ـ قدر الإمكان ـ في أن أوجزها فيما يلي :
*دعوة وزارات الثقافة العربية إلى تبنِّي مبادرة إحياء المسرح الغنائي العربي؛ كأحد أشكال الإبداع الفني الذي تجتمع فيه الفنون؛ وعلى رأسها الموسيقا؛ ويتحقق معها التواصل المباشر النابض بأنفاس الجماهير في قاعات العرض؛ والدعوة موجهة للهيئات السيادية لتنشيط حركة إعادة تقديم تراث المسرح الغنائي بشكله الأصلي ـ وأضيف ملاحظتي الشخصية : كما كان يفعل الفنان زكريا الحجَّاوي في تقديم التراث الشعبي بـ “عَـبَـلُـه “ كما يقول العامة في نجوع مصر وكفورها ــ ؛ أو برؤى معاصرة ؛ من أجل ربط شباب الجيل الحالي والأجيال القادمة بتراثهم الفني الأًصيل؛ وبشكلٍ يتماشى مع التغيرات السريعة والمتلاحقة في الحياة الاجتماعية التي تسود الآن في مصر .. والوطن العربي .
* دعوة القائمين على مهرجان ومؤتمر الموسيقا العربية؛ إلى تبنِّي تقديم عمل مسرحي غنائي كل عام ضمن برنامج حفلات المهرجان السنوي .
* تبنِّي إقامة مهرجان أو ملتقى فني سنوي للمسرح الغنائي العربي؛ تشارك فيه الفرق المسرحية المختلفة “الرسمية والمستقلَّة” من كل أنحاء الوطن العربي .
* إقامة مسابقة فنية أو تكليفات تُحفِّـز المبدعين؛ وبخاصة من الشباب على تأليف أعمال جديدة للمسرح الغنائي؛ حتى إن كانت قصيرة لتنشيط حركة الإبداع المسرحي . وفي الوقت نفسه توجيه دعوة إلى اختيار” إبداع عمل مسرحي غنائي قصير” موضوعًا لمسابقة التأليف القادمة بالمجمع .
*دعوة المؤسسات الثقافية والفنية الرسمية وغير الرسمية؛ إلى تبنِّي حركة جادة في جمع وتوثيق وأرشفة تراث المسرح العربي؛ مع تسجيلات سمعيـَّة وبصريَِـة ووثائق ومدوَّنات؛ ورقمنتُـه لإتاحته للباحثين والدارسين والفنانين المهتمين وتشجيع حركة تناول هذا التراث بحثًا ودراسةً وأداءً !
*دعوة وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية؛ إلى إعادة تقديم تراث المسرح الغنائي العربي المسجَّل لديهم؛ إنعاشًا للذاكرة الفنية لهذا التراث؛ وتحقيقًا للتواصل بين الأجيال المختلفة؛ مع دعوة مؤسسات الإنتاح الفني إلى الاستفادة من التطور في إنتاج وتقديم الأعمال الدرامية على منصَّات المشاهدة؛ مع الأخذ في الاعتبار تقديم إنتاج جيد لأعمال مسرحية غنائية يتم تقديمها بشكل جديد؛ أسوة بتجربة مسرح التليفزيون في بداية انطلاقه في مصر .
* دعوة المعاهد الموسيقية والكليات والأكاديميات المتخصصة إلى الاهتمام بتدريس تراث المسرح الغنائي العربي لطلابها؛ ومساندة المشروعات الفنية التي تعهتم بإعادة تقديم هذا التراث والإبداع فيه بكل التجليات الإنسانية المخلصة لقضية إحياء التراث.
وبعد استعراض توصيات ومقررات المهرجان ؛ فإنني أتمنى ـ بصفتي الأكاديمية والعلمية ـ ألا يقتصر مهرجان الموسيقى العربية على فعالياته “سنويًا “ على “مهرجانٍ واحد “ في أماكن بعينها تتكر ركل عام؛ فلماذا لا ننتهز فرصة الأعياد القومية في كل محافظة مصرية ـ وهي تقترب من الثلاثين محافظة ــ لنستعرض موسيقاها المحلية ؛ وبخاصة المحافظات الساحلية أصحاب آلة السمسمية ــ ؛ كما حدث من الاهتمام في الدورات السابقة بآلة “الربابة” الشعبية وشاعرها المتجوِّل في أطراف الصعيد ودلتا النيل؛ من أجل ازدياد الحراك الثقافي والفني في تلك المحافظات المتعطشة إلى توثيق هذا اللون الرائع من الفنون ؟! على أن يكون الهدف الأسمى والأجمل .. هو اكتشاف المواهب وبخاصة المصرية وصقلها بالعلم والمعرفة؛ فهؤلاء هم كنز الفن الحقيقي في ربوع مصرنا المحروسة؛ فقد تلاحظ طغيان الوجود غير المصري على ساحة الغناء بقدر يفوق احتفاء المهرجان بالمواهب الشابة الواعدة والنجوم المصريين وهذا لا يعني أن يحتكروا المشهد لكن أحقية تسليط الأضواء على أصحاب الفرح يجب وضعها في الاعتبار أليس كذلك؟! فالإبداع .. مقاومة لكل أشكال القُبح والتطرف والإرهاب الفكري والعقائدي ! وهو حائط الصد القوي القادر على مواجهة أصحاب الهجمات الشرسة ضد الفن .. وأهل الفن بصفةٍ خاصة .
وأخيرًا .. فإنني أحيِّى كل المجهودات المبذولة في سبيل تحقيق نجاحات لهذا المهرجان ومؤتمره ببصمات الإبداع المصرية المعهودة؛ وأخص بالذكر الدكتورة نيفين الكيلاني ـ وزيرة الثقافة المصرية ــ التي قامت خلال حفل افتتاح المهرجان بتكريم العديد من الشخصيات الفنية الذين قدموا أعمالاً متميزة عبر مسيرتهم الإبداعية الطويلة .
إنها مصرنا المحروسة؛ التي قدمت أول الآلات الموسيقية في العالم؛ وترك المصري بصماته الإبداعية على جدران المعابد والمسلاَّت؛ والعديد من المنحوتات التي تعبر عن اهتمامه بفن الموسيقا؛ وكيف كان رجع الصدى في أرجاء أماكن العبادات المقدسة بتراتيله التي لم تمحُها عوامل الزمن وتقلباته .
رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة