عبدالصبور بدر
عبدالصبور بدر


عبدالصبور بدر يكتب: «تى».. وحدها لا تكفى!

عبد الصبور بدر

الأربعاء، 11 يناير 2023 - 09:07 م

بعد عامين فقط من تنصيبه ملكا على مصر، أقدم أمنمحتب الثالث على مغامرة كانت من الممكن أن تكلفه رأسه، فالزوجة التى اختارها أن تجلس بجواره على العرش لا تجرى فى عروقها دماء ملكية، إنها فقط فتاة من عامة الشعب.. خطوة جريئة تقدم للطامعين فى القضاء عليه سببا مقنعا لعزلة، خاصة وهو فى سن صغيرة، لم يصل بعد إلى عامه الرابع عشر، وما يزال يمسك قطعة حلوى فى يده!.

ارتقى أمنمحتب الثالث بمغنّية القصر الجميلة «تى» لتصبح زوجته، بينما كان من الممكن أن يتخذها محظية، ويعطيها ما تريد من المال، ولا يفتح على نفسه أبواب جهنم، لكن أخلاقه لم تسمح له بالتصرف بخسة كاللصوص، كما أن «تى» هى ابنة الكاهن «يويا» الذى يمتلك من الثراء الكثير، ما يجعل الفتاة تطمح فى شىء آخر غير المال، وهو السلطة المطلقة، وتحقق حلمها بالقفز من مركب القدر الذى يسير بها، لتكون المعبودة التى تتحكم فى أقدار من حولها!.

أدار أمنمحتب الثالث ظهره لكهنة آمون، ألقى بقوانينهم المقدسة على الأرض وداس عليها بحذائه، بنى لـ«تى» معبدا باعتبارها الإلهة، وطالب الشعب بعبادتها، وشيد لها بحيرة صناعية لتمشط شعرها الطويل وهى تنظر إلى الماء الذى ينساب تحت قدميها، ونقش اسمها إلى جوار اسمه ليس فقط على الجعارين والجدران، ولكن فى كافة المراسلات الحربية، وأمر بنحت تمثالين بنفس الحجم ليعبر عن تعظيمه للسيدة التى أسرت فؤاده وأطلقت سراح مواهبه.

أفرط أمنمحتب الثالث فى الانحياز إلى عواطفه، وفى المقابل لم تخذله «تى»، وهبت قلبه الشجاعة ليقتل الأسود ويستخرج من جلودها الدهن الذى يقوى شعر الملكة ويمنحه النعومة المطلوبة، ودفعته لتحويل مصر إلى أكبر إمبراطورية على وجه الأرض، ليمتد حكمه 38 عاما، امتلك خلالها كنوز الأرض، وتفوق على أجداده، ليكون أحد أعظم ملوك مصر القدامى، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق.

إخلاص متبادل كان من الممكن أن يجعل قصة الحب مملة، ولا تصلح إلا للصغار، لكن أمنمحتب الثالث أنقذ القصة من الرتابة، وأضاف إليها الدراما بعد أن رفض التخلى عن طبيعته كرجل شرقى، لا يكتفى بقطعة حلوى واحدة، وهو يتزوج عليها بالثلاثة: جيلوخبيا أميرة العراق، وتدوخيبا أميرة ميتانى، وسات آمون ابنته الكبرى، لاعتبارات سياسية وعرقية.

فى المقابل مارست «تى» كيدها كامرأة مصرية وهى تصر على تدوين اسمها بجوار اسمه على جعران يخلد زواجه من جيلوخبيا!، ولم تسمح بتصويره على جدران المعابد مع ضراتها الثلاث، كما نقشت اسمها منفردا على الجعارين، وجدران معابد تل العمارنة وكأنها تقول لهن: أنا فقط!.

أما الحلوى التى يعشقها أمنمحتب الثالث فقد أصابته بـ«خراريج» فى أسنانه، ليعانى آلاما رهيبة، لا يجد لها علاجا حتى قضت عليه، ليرحل شابا فى الخمسين من عمره، بينما تواصل «تى» هوايتها فى رسم الأقدار وهى تضع ولدها «إخناتون» على العرش وتزوجه من «نفرتيتي» ابنتها فى الرضاعة، لتضمن السيطرة على الملك والملكة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة