أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

فلسطين

أحمد عباس

الأحد، 29 يناير 2023 - 09:16 م

انقلبت الدنيا رأسا على عقب، الأنباء الواردة من هناك توالت بسرعة البرق مع تضاربها لكن جميعها يبشر بعملية استشهادية كبيرة جدا فى القدس المحتلة بطلها شاب مقدسى ليس مثل الشباب اسمه خيرى علقم، سَمِّ العملية ما شئت: انتحارية أو استشهادية فلكل منا نبى يصلى عليه، حتى وإن صغرت فكل صغيرة تمس إسرائيل هى كبيرة جدا فى عين أصحابها والعالم، وهذه من عجائب هذا العالم المختل، هرع رئيس الوزراء الاسرائيلى عقب الحادث ليطمئن الشعب وتبادل اليمينى الارهابى يائير لبيد زعيم المعارضة وبن غفير وزير الأمن القومى المتطرف الاتهامات والشتائم والسباب، ووصف الحادث بانه الأكثر بشاعةً وألماً للإسرائيليين، ثم قيل انه سيكون الأخير لكن والله لن يكون، فهذه قضية تتجدد كلما غط العالم فى نومه وتجاهلها معتقدا انها النهاية.


أما هذا المقال فليس إلا توثيقًا لمسائل أراها على طريق الاندثار والتغييب، منها مثلا أنه حتى عام ١٩٤٨ كانت هناك فى قلب الخريطة العربية أرض اسمها فلسطين تزرع زيتونا وتينا وبرتقالا وتزهر فيها حدائق الليمون، لبها كان المسجد الأقصى لا قبة الصخرة فقط، نعم كان هناك مسجد اسمه الأقصى، وهذا والله ليس تشاؤما لكن نظرة واقعية جدا لتسارع الأحداث، قناعتى تقول إن كل شيء سيطمس بلا استثناء وبسرعة مفرطة، ولن يجد القادمون من يحكى لهم حكايات الأولين، إذن لنوثق ذلك لعل هذه القصاصة تقع فى يد أحدهم ويحب أن يقرأ.


لم تكن هناك دولة أصلا اسمها إسرائيل، ثم رآها العالم فرصة للتخلص من يهوده واخراجهم من حدوده، كانوا أصحاب مشاكل دائمة ومفتعلى أزمات وسيطروا على اقتصاد العالم رغم تفرقهم، ولما كانت المنطقة العربية كلها واقعة تحت وطأة الاستعمار الانجليزى والفرنسى كان المستعمر يقسم أراضيها كيفما شاء ويرسم خرائطه بما يراه مناسبا له، فيؤسس دولا جديدة ويدمج أخرى ويزيل أنظمة حاكمة ويأتى بخير منها -من وجهة نظره- ويستبدل حكام أرض بآخرين وهكذا رُسمت الخريطة العربية وسُميت الدول ونقشت الأعلام وعزفت سلامات وطنية، واستوطن المستعمر أكثر حتى وإن خرج بالاسم فقط وظلت أقدامه وأياديه تعبث فى جذور التركيبة العربية تغيرها كيف تشاء دون حول ولا قوة من أصحابها.
بعد تقسيم الأرض حدثت عمليات تهجير متعمد لعصابات صهيونية منظمة من أرجاء العالم طولا وعرضا، والصهيونية هى جماعات يهودية الديانة لها ميول سياسية دينية وأفكار أشد تطرفا من الحركات الإرهابية المتأسلمة ولا تفهم الا السلب والقتل والتهجير والاغتصاب، وبدأت إجلاء أصحاب الأرض -الفلسطينيين- من أراضيهم بالقتل والحصار والتهجير مدعومة بأموال المستعمر ومدفوعة بمساندته، غيّر الاستعمار أسماء المدن والمناطق وحلت اللغة العبرية محل العربية وأنشأ المتاريس والمستوطنات وجرف الأرض وأزال القرى والبساتين وأسس جيشاً حارب به العرب وفكراً استعدى الأمة العربية كلها.
ربما ترى هذا الكلام قديمًا أو عفى زمنه وحفظته الأجيال، لكننى والله التقيت شبابا صغارا لا يعرفون عنه شيئا ولم يسمعوا عنه من الأساس، أليس هذا مخيفا!، لكنها طبيعة الأجيال لا تعرف الا حين تجد من يعرّفها، وهذا هو أضعف ايماني. أما كيف تُنسى القضية فلا يحدث ذلك بصعوبة أبدا بل بمنتهى السهولة، تحدث بالاعتياد فلما تعتاد رؤية شكل القلنسوة اليهودية السوداء ملتصقة بالرءوس تتجول فى البلدان العربية بأريحية وأمان تعتاد كل شيء.
لا أنسى ذلك اليوم أبدا وكان أبعد عن خيالى رؤيته وللحسرة أننى رأيته كان مقيتًا بكل معنى للكلمة، ذلك لما رأيت أصحاب السوالف الطويلة والذقون العشوائية يرتدون المعاطف السوداء والقمصان البيضاء من يهود أصوليين يتجولون بجانبى فى بلد عربى تحت علم إسرائيل، المخيف فى الأمر أننى لحظتها أدركت فناء كل شيء، فكذلك يبدأ الاعتياد ثم يحدث كل شيء.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة