هالة العيسوي
هالة العيسوي


من وراء النافذة

هالة العيسوي تكتب: فيلم يفوت ولا حد يموت

هالة العيسوي

الأربعاء، 17 مايو 2023 - 08:10 م

بهذا المنطق تعاملت منصة نتفلكس مع الاحتجاجات وموجة الغضب المصرية على عرض الفيلم الوثائقى الملكة كليوباترا، الذى حفل بتزييف متعمد للهوية المصرية ومحاولة خبيثة لانتزاعها. لم تأبه المنصة للتهديدات باللجوء للقضاء، ومضت فى عرض الفيلم فى موعده المحدد. بديهى أن ثمة التزامات مالية وقانونية وفنية تقيدها، وعقوداً توجب عليها عرض الفيلم فى موعده ودون أية تعديلات. لكن تجاهل المنصة لتلك الاحتجاجات جاء كما يبدو اقتناعًا بضرورة عرض الفيلم، إلى أن يتحرك المعترضون ويصدقوا فى جرها للقضاء، تكون تفادت خسارة مؤكدة من عدم الالتزام بعقودها.
فنيًا، كان من المستحيل إجراء تعديلات على الفيلم، نزولًا على الاحتجاجات المصرية، فالمسألة لا تتعلق بأمور مادية وحسب، إنما لها علاقة وثيقة بقناعات صناع الفيلم، وبأغراض دفينة، ومصالح تربطهم هم والمنصة ببعض الدوائر المريبة. إمعانًا فى تثبيت الفكرة لدى المشاهد، عمد الفيلم إلى إظهار المصريين الأصليين سود البشرة، بعكس اليهود والبطالمة.

الفيلم خلطة من الأفكار النسوية (feminism)، والأهداف الأفريقانية (المركزية الأفريقية أو الـ Afrocentric)، التى تعتبر أن المصريين القدماء أفارقة فى الأصل، شردتهم غزوات الشعوب كالمقدونيين، والرومان والعرب. فمنتجته وتقوم بدور الراوى أيضًا هى جادا بينكيت سميث زوجة الممثل الأمريكى ويل سميث والإثنان من الأمريكان ذوى الأصل الأفريقى. فيلم كليوباترا هو الموسم الثانى من سلسلة أفلامها لمنصة نتفلكس عن الملكات الأفريقيات، وقائم من بداية حلقته الأولى على مغالطات تاريخية فادحة، وينطوى على تزييف للحقائق الثابتة بأن كليوباترا ملكة مصرية بطلمية الأصل، وأنها كانت ترتدى شعرًا مستعارًا، فعمد إلى إظهارها سمراء البشرة مجعدة الشعر، لإلصاق الأصل الأفريقى لها بحجة أن أصل أمها أو جدها لأمها مجهول.

الغريب، أن كبرى الأكاديميين الذين استعان بهم الفيلم وهى البروفيسور شيلى هايلى بدأت بسرد أسانيدها عن أصل كليوباترا الأفريقى بحكاوى القهاوى لا نقلاً عن مصادر أكاديمية أو أثرية بأن جدتها قالت لها (!!): «لا تصدقى ما يقولونه لك فى المدرسة عن كليوباترا، لقد كانت سوداء».

مع ما تردد عن وجود علاقة تاريخية قديمة مع الحركة الماسونية، تأكدت باكتشاف ماريبيث كافانا، خبيرة المحفوظات بجمعية نيويورك التاريخية وثيقة مكتوبة بخط اليد تبين تأسيس الماسونية الأمريكية الأفريقية خلال الثورة الأمريكية 1775، وأنشئت لها المحافل المتعددة، يصبح من المريب حقًا تحول حركة المركزية الأفريقية من تبنى أسلوب المظلومية التى تعرض لها الأمريكيون ذوو الأصل الأفريقى، ومحاولاتها المعروفة لاكتساب تاريخ مبهر والانتساب للحضارة المصرية القديمة، إلى محاولة أكثر خشونة بالاستيلاء عليها والادعاء بأنهم أصل هذه الحضارة، والأدهى أن تتخذ محاولة الاستيلاء منحى أكاديميًا ويتم الترويج لأفرقة مصر فى جامعات السود ومؤتمراتهم العلمية ويتم تدريس هذا التاريخ المزيف لطلابها، ليتشكل وعى جديد يجافى الحقيقة، وتتحول الترهات إلى واقع يصعب تغييره.

الأفارقة ليسوا أول من حاول الاستيلاء على الهوية المصرية فقد سبقهم الأوروبيون بفكر «مركزية أوروبا» التى زعمت أن المصريين القدماء هم أسلاف أوروبا الحديثة، واليهود الذين زعموا أنهم بناة الأهرامات، وكأن مصر ستظل على مدى التاريخ مطمعًا للضباع.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة