يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

زهور السيدة الوحيدة 

أخبار اليوم

الجمعة، 16 يونيو 2023 - 10:34 م

البعض منا مؤكد مر من هناك، تحت هذه البلكونة الصغيرة فى شارع المبتديان، كانت بلكونة مميزة فى الدور الثانى من عمارة قديمة تُرغمك على أن ترفع رأسك لتملأ عينيك من روعة الورود المرصوصة فى أصص متناسقة بشكل له العجب، وكان من حظ البعض وكنت منهم مرة أن تقف السيدة صاحبة البيت فى البلكونة المُزهرة فتُلقى لك وردة بلدى مقطوفة حالا من حديقتها، وتسمع منها دعوة حلوة لم تنتظرها مثل ( ربنا يفتحها عليك أو ربنا يسعدك أو ربنا يفرح قلبك ).

سيدة لها ابتسامة ساحرة تختصر من عمرها السبعينى عشرين عاما وأكثر، واضح أنها تعشق الزهور وتفهم فيها فجعلت من البلكونة الصغيرة جَنّة لا تُخطئها عين، أو ربما هى تعشق البلكونة التى تَطُل على زحمة فمنحتها هذا الجمال العظيم، فى كل الأحوال كنا نحن السائرين تحت البلكونة محظوظين بهذه البهجة ونتخيل حياة سيدة البيت الذى حتما لا يزيد على غرفتين وصالة لكن له سقف عال كما كل بيوتنا القديمة، تخيلتها تعيش وحيدة مامن أحد لمح لها مرة رفيق زوج أو أبناء فى البلكونة، دائما وحدها تعتنى أو تسقى زرعها بتأن مدهش، وحيدة ( ربما ) تطهو حلويات تملأ زوايا البيت برائحة شهية، على كل حال والأهم أنها جعلت من البلكونة المُزهرة بروازا جميلا مُعلقا على لوحة عمارة أكل الزمن ملامحها التى كانت جميلة فى يوم ما، وكانت تُذكرنا بأيام أُخر كنا نضع فى نوافذنا وبلكوناتنا زرعا أخضر أو زهورا ونعتنى بها مثل أرواح تمنح البيوت جمالا حقيقياً، لماذا لم نعد نفعل ذلك ؟ 

أغيب أغيب، وكلما مررت من تحت البلكونة أجدها وقد كبر الزرع واشتد وتوهجت الزهور بحب واضح، لن تحصل الأشجار القصيرة على كل هذه الألوان إلا بالحب، الحب يصنع الأمان وبالأمان تمنح الأشجار أجمل مالديها، تشعر أكيد أن مهمتها فى الحياة أن تمنح السعادة لمن يمنحها الحب.
بعد عامين 

غبت عامين مروا هوا كعادة أيامنا، وكان عندى إصرار أن أمر من تحت البلكونة لعلى أفوز بوردة بلدى ودعاء من صاحبة الورود، لكنى لم أر الورد، هل نسيت العنوان، هذه هى البلكونة أكيد، نفس باب العمارة، نفس دكان البقال، غاب الزرع وشيش البلكونة والنافذة المجاورة مُغلق مُترب، فى البلكونة أصص الزرع وقد تتدلى منه خيوط زرع ذابل.

سألت البقال وكان شابا صغيرا لعله فى العشرين عن صاحبة الورد، ( تعيش إنت )، قٌبض قلبى كأننى لم أكن أعرفها من بعيد لبعيد، ماتت وهذا عنوان مدفنها، مد لى الشاب بورقة فيها وصف تفصيلى لمثواها الأخير، هتف بحماس ( كتير بيسألوا عليها ويزوروها يقروا لها الفاتحة ).

خطفت العنوان أدارى به دمعة جاءت دافئة بينما أمضى إلى رصيف الشارع، جاء صوت صاحب البقالة ( ماتنساش تاخد معاك ورد بلدى وانت رايح لها ) .

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة