مؤمن خليفة
مؤمن خليفة


بدون أقنعة

نهاية الرحلة

الأخبار

الأحد، 23 يوليه 2023 - 08:26 م

قبل أيام قليلة مات صديق عمرى الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته .. كان فى بداية حياته شابا متحمسا يعرف طريقه جيدا دون أقرانه لم يغترب كما تغربنا وابتعدنا عن الأهل والأصدقاء وذقنا مرارة الغربة .. لم يكن الطريق مفروشا بالورود كما تخيلنا ونحن نخطو أولى خطواتنا فى الحياة بعد أن تخرجنا فى الجامعة .. كانت الحياة بسيطة رغم متاعبها .. سافرت أنا فى رحلة الغربة التى استمرت لعدة سنوات واختفى صديقى وتعددت مقابلتنا كلما عدت إلى مصر وفى كل مرة أجد أن صديقى يتغير فقد وفقه الله إلى رفيقة عمره ووفر مسكنا إلى جوار أهله لكن خطأه الوحيد أنه خلق هوة واسعة بينه وبينهم .. تنحى جانبا بعيدا عن الجميع حتى أنا بعد أن عدت إلى مصر ولم تفلح محاولاتى فى التوفيق بينه وبين والدته وإخوانه الذين عز عليهم أن يبتعد عنهم بدون سبب أو مبرر ..

لم يكن صديقى يملك سببا واحدا فيما آل إليه حاله الجديد .. أخذ جانبا من الجميع إرضاء لزوجته التى حاولت بكل جهدها أن تحول بينه وبين أهله وكل ماضيه الجميل .. فى أحد الأيام استيقظت والدته رحمها الله على أحد الأشخاص يطلب منها مغادرة شقتها التى كانت قد اشترتها مع شقة أخرى فى العبور لأنه قام بشرائها من الابن المدلل وصديق عمرى .. كانت تبكى بحرارة على ما فعله ابنها وكانت رحمها الله تسألنى لماذا فعل بها ذلك وهل بعد هذا العمر تلجأ إلى ابنتها لتقيم معها بعد أن كان لها مسكن وحياة آمنة مستقرة .. كانت غلطتها أنها حررت له توكيلا باسمها ليتصرف فيما تطلبه ضروريات الحياة وهو الابن الأكبر بعد وفاة الأب وغلطة الشاطر بألف كما يقول المثل العامى . كانت نظرات الحسرة تحكى تاريخ هذه الأسرة المصرية الأصيلة فقد كافحت الأم مع الأب لتربية 7 من الأبناء وجاء الولد الذى كان يمثل فرحة العمر للأبوين بعد خمس بنات .. لم تكن الأم المكلومة تدرى أن ابنها سوف يرتكب غلطة عمره وعمرها فقد باع أمانها وأحلامها فى لحظة فارقت فيه الإنسانية عقله.. كانت الأم تشكو لى كثيرا من إهماله لها وعدم زيارته بإيعاز من زوجته التى أدركت مبكرا أنها لن تنجب ولن تأتى له بولى العهد وهداها تفكيرها العقيم ووسواسها الشيطانى إلى الاستحواذ عليه تماما حتى سلم نفسه إليها وأصبح لا يأتمر إلا بأمرها .. كانت أسرته تعيد ما يحدث له إلى أعمال سحر تمارسها زوجته عليه ويستشهدون بمواقف له لم يكن ليقدم على فعلها إلا إذا كان «ممسوسا» .


المهم قاطعنى صديقى كما قاطع كل أصحابه وماضيه وتنحيت أنا كذلك بعيدا عنه ولم يكن بيننا من رابط سوى رسالة على استحياء على فيسبوك كلما جاءت مناسبة العيد أو كلما كان فى حاجة إلى مساعدة أو خدمة يطلبها منى.


نسيت أن أقول أن الابنة الوسطى كانت قد تزوجت شخصا من جنسية عربية وذهبت للإقامة معه فى بلده وكانت تساعد أهلها بما تستطيع وبموافقة زوجها ولم تسلم من أفعال أخيها الذى تواصل معها وطلب منها مساعدة مالية لإجراء عملية جراحية خطيرة كما قال لها ليحصل على مبالغ اشترى بها سيارة فارهة لنفسه.. ماتت الأم الكريمة رحمها الله وتركت من بعدها أسرة مفككة تماما .. كل شخص فيها يبحث فقط عن مصلحته وتباعد الأبناء تماما ولو كان الأب المكافح يعلم ماذا سيحدث لأسرته من بعده ما سعى إلى الزواج وإنجاب الأبناء !
المهم.. مات صديقى قبل أيام قليلة فى أحد المصايف وعاد إلى القاهرة جثة ليوارى الثرى.. لم يشيعه أحد من أهله أو أصدقائه.. مات غريبا ووحيدا كما أراد لنفسه وهو على قيد الحياة .. وفى العزاء لم يحضر أحد وكانت المقاعد خاوية إلا من نفر قليل.. لم يأخذ من الدنيا شيئا فلا ولد ولا ابنة ولم يكن فى بالى أن أكتب عنه رحمه الله لكنها العظة التى نخرج بها من الدنيا بما تفعل أيدينا.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة