عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

لعبة الديبلوماسية المناخية

الأخبار

السبت، 09 ديسمبر 2023 - 06:40 م

مرة أخرى يكلف أكثر من 140 رئيس دولة وحكومة وآلاف الخبراء ومندوبو المنظمات الدولية والهيئات المختصة وممثلو المجتمع المدنى من العالم بأسره أنفسهم مشاق السفر لمسافات بعضها طويل جدًا للاجتماع بعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أبو ظبى، للالتئام فى قمة المناخ (كوب 28) ليبحثوا التحديات الخطيرة المترتبة عن التغير المناخى.

إذن 28 قمة عالمية انعقدت طوال مرحلة ممتدة فى الزمان، قيل إنها خصصت بالكامل للبحث فى السبل الكفيلة بتخفيض إنتاج الطاقات الأحفورية والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى التى تعتبر من الأسباب الرئيسية فى التغير المناخى فى الاتجاه السلبى. وموازاة مع انعقاد هذا الكم الهائل من القمم، تواصل المؤشرات الفعلية المتعلقة بالانحدار المناخى فى التدهور.

فمعدل ارتفاع درجات الحرارة فى الكون يتواصل بشكل مخيف جدًا، إذ يتوقع الخبراء أن تكون سنة 2023 أكثر السنوات ارتفاعًا فى درجة الحرارة، والحرائق تتواصل فى حصد الأرواح وتدمير الغطاء النباتى، والفيضانات تستمر فى اكتساح العديد من مناطق العالم، والجفاف يستمر فى الاكتساح وشح الموارد البشرية يواصل الارتفاع.  

لنعد قليلاً إلى الماضى القريب جدًا، حينما أجمع المشاركون فى قمة المناخ بباريس التى انعقدت سنة 2015، وهم بالمناسبة نفس المشاركين فى قمم المناخ السابقة واللاحقة، على ضرورة تحديد معدل ارتفاع درجة الحرارة فوق كوكب الأرض فى أقل من درجتين فى أفق نهاية القرن الحالى، وحبذوا أن تنزل إلى 1٫5 درجة حرارية، لأن ذلك سيكون ملائمًا وجيدًا.

لكن بعد حوالى ثمانى سنوات من الاتفاق على هذا التعهد، فإن الحصيلة تؤكد عدم الالتزام بذلك، وأن الأمور تتجه نحو الأسوأ. وللتأكيد على ذلك، فإن تقريرًا صادرًا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة نشر للعموم فى نهاية الشهر الماضى، يكشف عن معطيات مذهلة وخطيرة، حيث يؤكد أن درجة الحرارة ستعرف ارتفاعًا ستتراوح نسبته ما بين 2٫5 و 2٫9 درجة مئوية فى أفق سنة 2100.

ويزيد التقرير قتامة حينما يؤكد أن انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى ستواصل الارتفاعات، وأنه مع التزام جميع الدول بالالتزامات المعلنة فى صدد تخفيض هذه الانبعاثات، فإنها لن تنخفض حقيقة إلا بنسبة 2 بالمائة فى حدود سنة 2030 عما كانت عليه فى سنة 2019. أما فى حالة عدم التزام الدول بتعهداتها فى هذا الشأن فإن الوضع سيكون كارثيًا.

ولتوضيح ما قد يكون عليه هذا الوضع فى المستقبل نذكر بأن تقريرًا آخر تقنيًا هذه المرة صادرًا عن منظمة الأمم المتحدة فى بداية شهر سبتمبر الماضى، أوصى بضرورة تخفيض هذه الانبعاثات بنسبة لا تقل عن 43 بالمائة فى أفق سنة 2030 لكى تتم المحافظة على ارتفاع درجة الكون بنسبة 1٫5 درجة مئوية، ولنا أن نلاحظ الفرق الشاسع بين ما يمكن تحقيقه مع احترام جميع الدول لالتزاماتها، وبين ما ترتئيه جهة مختصة فى هذا الصدد.

ونتذكر اليوم أيضًا أن نفس القمة التى احتضنتها مدينة شرم الشيخ المصرية أوصت بإنشاء صندوق (الخسائر والأضرار) وهو اقتراح تبلور فى نقاشات تاريخية احتدمت بين المشاركين فى قمم سابقة، بعدما أخلت الدول العظمى بالتزامها بتقديم دعم مالى كبير للتعويض عن الأضرار التى تطال المناخ بسبب أنشطتها التجارية والصناعية والخدماتية.

وجرى حديث طويل وسال حبر كثير حول تخصيص غلاف مالى يتجاوز 10 مليارات دولار لهذا الغرض، تستفيد منه الدول النامية والفقيرة بتعويض مهم لمساعدتها على معالجة كثير من الصعوبات البيئية التى تواجهها، وهى من فعل الآخرين ولا يد لها فيها.

ولا شىء من هذا القبيل حدث أيضًا، حيث ما أن جف الحبر الذى كتبت به هذه التوصية الهامة حتى تنكرت الدول العظمى للالتزام، ولذلك تقدمت النقاشات فى هذا الصدد واقترحت إنشاء صندوق متخصص، لكن مرة أخرى ظل القرار حبيس عدم وفاء الكبار بالتزاماتهم. 

ثمة معطيات وإحصائيات ناطقة بالحقيقة وعاكسة للأوضاع كما هى وكاشفة لأسباب ما يحدث وما يجرى، وتكفى لوحدها لتحديد المسئوليات وترتيب النتائج دون الحاجة أصلًا إلى عقد قمم عالمية، ولا إلى توقيع اتفاقية إطار للأمم المتحدة من طرف 198 دولة ومنظمة، ذلك أن هذه المعطيات تؤكد أن دول مجموعة العشرين (الدول ذات الاقتصاديات القوية) مسئولة بصفة مباشرة عن 80 بالمائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وأن هذه المجموعة تسيطر على ما يفوق 80 بالمائة من إجمالى الناتج العالمى، وتهيمن على أكثر من 75 بالمائة من التجارة العالمية. هذه المعطيات الصادمة تضع القمم العالمية حول المناخ فى سياق آخر غير الذى يعلن للرأى العام الدولى .

لأن 28 قمة عالمية حول المناخ لم تنجح فى كبح جماح التدهور المناخى والبيئى فى العالم، لأن المسئول المباشر عن هذا التدهور يتمثل فيما تتطلبه اقتصادات الدول العظمى من احتياجات وما تفرزه  أنشطتها الصناعية والخدماتية من تداعيات. وأن هذه الدول تتنصل من مسئولياتها فى هذا الشأن وتتعمد إغراق القضية فيما يمكن أن نسميه (ديبلوماسية مناخية) تكرس التنصل من المسئوليات، وترهن الرأى العام العالمى بآمال وتطلعات بهدف كسب مزيد من الوقت، لا أقل ولا أكثر. 

والحقيقة المتسترة فى هذه المعطيات الصادمة تكشف أن الفاعلين الرئيسيين فى التدهور المناخى والبيئى بصفة عامة هما الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين، وأن باقى أعضاء مجموعة العشرين مجرد مشاركين فيما يقترف فى حق المناخ والبيئة، بما فى ذلك الاتحاد الأوروبى الذى تكرست  تبعيته للولايات المتحدة الأمريكية حتى فى مساعدتها على تعويم مسئولية التدهور المناخى والبيئى فى العالم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة