الموسيقار صلاح الشرنوبي
الموسيقار صلاح الشرنوبي


صلاح الشرنوبى: المشهد الغنائى «ضبابى» l حوار

أخبار النجوم

الثلاثاء، 13 فبراير 2024 - 01:12 م

ندى‭ ‬محسن

صاحب مدرسة تلحينية مختلفة تجمع بين المقامات الشرقية والإيقاعات العصرية، وهو الأسلوب الخاص الذي مَيزه منذ بداياته في تسعينيات القرن الماضي، إنه الموسيقار الكبير صلاح الشرنوبي الذي يمتد عطاءه الفني لأكثر من 34 عامًا أثرى خلالهم المكتبة الموسيقية بأعمال خالدة مع كبار نجوم مصر والوطن العربي.. “أخبار النجوم” إلتقت الشرنوبي في حوار خاص تحدث خلاله عن أهم المحطات الفارقة والعلامات البارزة في مشواره الفني، وثنائيته الناجحة مع عدد من نجوم الغناء، كما كشف عن سر عدم إستمرارية تعاونه مع منير، وعمرو دياب، والعديد من التفاصيل الأخرى.

بالعودة إلى بداياتك، وبالوقوف على أهم المحطات الفارقة في مشوارك الفني، ذكرت سابقًا أن انطلاقتك الحقيقية كانت من خلال تعاونك مع النجمة وردة الجزائرية.. ما التحدي الأبرز الذي واجهته في بداية عملك معها لاسيما أنها كانت تحظى بشعبية واسعة في التسعينيات ولها سابقات أعمال ناجحة مع عدد من الملحنين الكِبار؟

شعرت بالفخر، أولاً أن لألحاني نصيب من تاريخها الفني، وإمتداد لمشوار طويل من تعاونها مع عدد كبير من عمالقة الشعر والتلحين آنذاك، ولعل التحدي الأبرز الذي واجهني هو كيفية تقديمها بطريقة تجمع ما بين الشرقية والعصرية في آن واحد، وهي التوليفة الجديدة التي اعتمدت عليها من خلال ألبوم “بتونس بيك” الذي احتوى على 4 أغنيات من ألحاني، وحقق هذا الألبوم نجاحًا ساحقًا، وهو ما حمسنا على مواصلة العمل بالتحضير لعدد من الأعمال والألبومات الغنائية التي حققت أيضًا نجاحًا كبيرًا وقتها، لما لوردة من شهرة واسعة، ولا أنسى أن هذا النجاح فتح المجال أمامي للتعاون مع عدد كبير من النجوم، لذا أقول دائمًا أن السيدة وردة الجزائرية سبب وسر وجودي الأساسي بعد كرم الله وفضله، ولا أنسى فضلها عليَ أبدًا حتى وقتنا هذا.

 ما سر التناغم الكبير الذي جمعكما؟

لدي إعتقاد راسخ أن العلاقات المهنية الناجحة مثلها مثل علاقات الأسرة التي يسودها التفاهم، حيث الاحتواء واحترام الأراء، وإذا تحققت هذه العناصر في أي علاقة تُصبح أبدية، وهو ما اجتمعنا عليه.

 لكن هذا التناغم لم يمنع شبح التعثر من مداهمة مشروعكما مسلسل “آن الآوان”؟

صحيح، وواجهت خلال هذه التجربة العديد من المصاعب والمتاعب من حيث الإنتاج والتسويق، والعمل لم يُحقق النجاح المُنتظر، لكن على الرغم من ذلك إلا إنني مازلت سعيد بهذه التجربة، ولست نادمًا عليها أبدًا لإنها بمثابة وفاء وعُرفان بالجميل للنجمة الكبيرة وردة الجزائرية ولتاريخي معها.

 شهدت حقبة التسعينات تغييرات جذرية في شكل الموسيقى المصرية بعدما تسلم الموزع حميد الشاعري راية التطوير، وهي نفس الفترة التي شهدت زهوة تألقك ونجاحك بالأغنيات الطربية والكلاسيكية.. كيف حققت هذه المعادلة؟

بدأ مصطلح “الأغنية البديلة” ينتشر منذ أوائل الثمانينات مع ظهور عدد من الفرق الموسيقية منها “المصريين” التي أسسها الموسيقار هاني شنودة، و”الأصدقاء” التي كونها الموسيقار الراحل عمار الشريعي، و”النهار” للموسيقار الراحل محمد نوح، و”فور إم” التي أسسها الفنان الراحل عزت أبو عوف مع شقيقاته، وكان هدف هذه الفرق هو البحث عن تقديم أغنية بديلة تجابه غزو الأغنية الغربية التي انتشرت وسيطرت في هذه الفترة على أسماع الشباب من خلال فرق “بلاك كوتس” و “Les Petits Chats”، وشهدت هذه الفترة تغيرًا جذريًا في شكل الأغنية المصرية، إلى أن قاد الموزع حميد الشاعري مسيرة تطوير أخرى، وأُطلق على هذا التطور مصطلح “الأغنية الشبابية الخفيفة”، وما بين هذا وذاك، هناك أغنيتين مهدوا لي الطريق نحو المنهج والمدرسة التلحينية التي اتبعتها، هما أغنية “من غير ليه” للموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، والتي تم إنتاجها أواخر الثمانينات، و”وحياتك يا حبيبي” للموسيقار سيد مكاوي، وهما الأغنيتين اللذين ساهموا في تغيير المناخ العام للأغنية المصرية، وهو ما شجعني على إتباع مدرسة جديدة تجمع بين العصرية والشرقية، وهي المدرسة “الشرنوبية” مثلما أُطلق عليها المخرج الكبير سيمون أسمر، وهو المنهج الذي ميزني في تلك الفترة، وسبب في إستمراريتي حتى الآن.

 بالعودة للحديث عن محطاتك الفنية الهامة .. ماذا تقول عن ثنائيتك مع ذكرى؟

ذكرى جرئتني موسيقيًا، فهي مُلهمة إلى أبعد حد، وصوتها المتفرد يأخذك معه إلى عالم آخر، وأذكر إنني قمت بتلحين عدد كبير من الأغنيات أثناء اجتماعي بها منها على سبيل المثال أغنية “وحياتي عندك” التي تجرأت فيها بالاعتماد على مقام “راست” في الوقت الذي لم يكن فيه هذا المقام رائجًا على الساحة الغنائية، إلا أن إمكانيات صوتها الهائلة ألهمتني وجرأتني على استخدام الكثير من المقامات الموسيقية، “كنت بلحن وأنا سايب إيدي”، وهو الشعور الذي كان ينتابني عند التلحين لوردة وميادة الحناوي أيضًا، وعلى المستوى الشخصي كانت ذكرى من أطيب القلوب، ولديها حضور طاغي، وتتمتع بصفات الكرم، الدم الخفيف و”الجدعنة”.

جورج وسوف يُشكل محطة مهمة في مشوارك الموسيقي أيضًا؟

تعرفت إلى وسوف من خلال المنتج محمود موسى، الذي اختار 4 أغنيات وهم “كلام الناس، حبيبي كده، الحب الأولاني، يا بياعين الهوى”، وعلمت وقتها أن وسوف كان متحفظًا على أغنية “كلام الناس”، وقلقًا بشأن تقديمها لإنها تحمل رؤية موسيقية جديدة عليه، والمفارقة أن هذه الأغنية من أنجح وأشهر الأعمال التي قدمها وسوف على مدار مشواره الفني، ولا أزعم إنني كنت مُخططًا أو متوقعًا لهذا النجاح، ولعل السر في التلقائية الشديدة التي صنعت بها اللحن.

 كيف أقنعته بتقديم الأغنية؟

يرجع الفضل في ذلك إلى المنتج محمود موسى، فهو شخص فاهم وواعِ لمتطلبات السوق، وما يتناسب معه، وكان حلقة الوصل بيني وجورج وسوف، وهو الذي أقنعه بتقديم أغنية “كلام الناس”، كما ساهم في إقناعه بتقديم ألبوم “ليل العاشقين” بعدما فشلت في ذلك، والمفارقة أيضًا أن هذا الألبوم حقق نجاحًا كبيرًا.

 ما الذي استفدته كملحن بالتعاون مع نجوم عديدة من جيلين مختلفين؟

حققت التنوع في تقديم جميع الأشكال الموسيقية ما بين الطربي بالتعاون مع النجوم وردة، ميادة الحناوي، ذكرى، جورج وسوف، كاظم الساهر، سميرة سعيد ولطيفة، وبين تقديم الأغنيات العصرية الخفيفة بالتعاون مع النجوم راغب علامة، نوال الزغبي، أصالة، صابر الرباعي، وليد توفيق، فضل شاكر ووائل كفوري، والحقيقة أن هذا التنوع أفادني كثيرًا في مسألة تحقيق الذات والانتشار.

 مَن المطرب أو المطربة الذي قدمته بشكل جديد ومختلف؟

هشام عباس.. وهو الأجرأ في جيله لإنه نجح في تقديم الأغنية الشرقية التي تحتوي على جُمل موسيقية مُكثفة في أغنيتي “كام مرة، روح يا هوى”، وأيضًا إيهاب توفيق قدم الأغنية الطربية في “لا داعي من وادعي، وملهمش في الطيب”، والأخيرة حققت نجاحًا كبيرًا رغم تخوفه وقتها من طرحها، وبفضل الله استطعت أن أقنع بعض المطربين الشباب بالتمرد على لونهم الغنائي، وهناك البعض الآخر الذي استقطبني إلى لونه وأسلوبه الغنائي مثل محمد منير عندما قدمت له لحن أغنية “طلب السماح” بما يليق برؤيتي وشخصيتي الفنية التي كانت واضحة وتركت بصمة في جميع الأغنيات التي قدمتها لجيل الشباب. 

 بمناسبة الحديث عن “الكينج” محمد منير.. لماذا اقتصر التعاون بينكما على أغنية واحدة فقط؟

رُبما لإن الصدفة هي التي لعبت دورها عندما قدمت معه أغنية “طلب السماح”، وقتها كان المنتج نصر محروس هو الذي يتولى عملية إنتاج ألبومات محمد منير، وتواصل معي من أجل اختيار عدد من الأعمال، ووقع اختياره على أغنية “طلب السماح” التي تميزت بلحن إيقاعي خفيف بعيد كل البُعد عن اللون الشرقي والطربي الذي تميزت في تقديمه في ذلك التوقيت، فضلاً عن أن منير له منهج ومدرسة غنائية مختلفة تمامًا لا تتناسب مع ألحاني الشرقية، وهذه التجارب الفردية كانت تحدث أحيانًا بمحض الصدفة.

 لماذا لم يكتمل تعاونك مع عمرو دياب؟

“عمرو دياب عارف هو عايز إيه.. ومحدد الشكل اللي لايق عليه”، رغم إنني اختلف معه في التكرار والنمطية التي أصبحت سمة اختياراته في السنوات الأخيرة، فهو يعمل بمبدأ “سكن تسلم”، ويختار الأغنيات الخفيفة التي تتماشى مع متطلبات هذا العصر، لكني ألوم عليه أحيانًا وأنصحه بضرورة التنوع في الجمل اللحنية، والتمرد على حالة الرتابة التي يُعاني منها السوق الغنائي حتى يعود لسابق عهده خلال فترتي الثمانينات والتسعينيات التي شهدت زهوة تألقه في أغنيات عديدة مثل “تملي معاك، وأنا عايش، حبيبي يا مالك قلبي بالهوا” التي غناها من مقام “البياتي”، وأعتبرها من أهم الأغنيات التي قدمها على مدار مشواره الفني.

 ما العنصر الأساسي وراء نجاح أوبريت “الحلم العربي”؟

العفوية وحالة الصدق التي كانت تُصاحب جميع تفاصيل وعناصر العمل بداية من الكلمة واللحن والتوزيع، مرورًا بالتصوير والإخراج، بالإضافة إلى حب الوطن الذي اجتمع عليه كل مَن شارك في الأوبريت. 

 ما السبب وراء قلة إنتاجك الموسيقي في الفترة الأخيرة؟

“مش عارف أتنفس صح”، وهذا أحد أقوى أسباب ابتعادي لفترة طويلة، فهناك العديد من العوامل التي استوقفتني، أبرزها تغير ذوق الجمهور، وأيضًا التغيير الشامل الذي طرأ على صناعة الأغنية بداية من الكلمات مرورًا بالألحان والتوزيع.

 كيف تصف المشهد الغنائي في الوقت الحالي؟

“ضبابي”، فالأغنية أصبحت مختزلة قدر المستطاع، وليس هناك تنوع كبير في الألحان، والمسألة أصبحت محدودة ومقتصرة على الاعتماد على مقامين أو ثلاثة.

 مَن يلفت نظرك من ملحنين الجيل الجديد؟

هناك العديد من الملحنين المتميزين، والحقيقة أن جميعهم لديهم الموهبة التي تؤهلهم لمكانة مُميزة على الساحة الفنية لكنهم مُقيدين بسبب الخوف من المجازفة بتقديم أشكال موسيقية جريئة، وأجرأهم الملحن خالد عز، عزيز الشافعي، وليد سعد، محمد رحيم، عمرو مصطفى ومحمد يحيى.

 بمَن تأثرت من ملحنين “الزمن الجميل”؟

تأثرت بطريقة الموسيقيين الكِبار محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، محمد الموجي، كمال الطويل، في صُنع المقدمة الموسيقية الطويلة لأعمال السيدة أم كلثوم، وكان لدي شغف تكرار هذه التجارب لكن مع الاحتفاظ ببصمتي الخاصة وشخصيتي المستقلة، وصنعت مقدمات موسيقية طويلة في أغنيات “حبك صالحني على الدنيا” للنجمة وردة، “أمري للهوى” لميادة الحناوي، “لعلمك إنت” لسميرة سعيد، “لما إنت مش قد الهوى” لهاني شاكر، وكنت مستمتعًا بالعمل على هذه التجارب رغم إلا لم تحظ بالانتشار والنجاح الذي حققته الأغنيات القصيرة مثل “وحياتي عندك” و”الأسامي” لذكرى رغم دسامتها الموسيقية أيضًا.

 ما رأيك في إستخدام الذكاء الإصطناعي في المشاريع الفنية والغنائية؟

هذه التقنية لا تعود بأي فائدة على صناعة الأغنية، وتعتبر تجربة مُهينة لقيمة وتاريخ رموزنا الغنائية، وأتمنى أن تخضع في القريب العاجل لقوانين تدعم حقوق الملكية الفكرية.

 حصلت على تكريمات عديدة عن مشوارك الفني آخرها من “موسم الرياض”.. ماذا تُمثل لك هذه التكريمات؟

نيشان على صدري، وتكليل لمشوار طويل من السعي والاجتهاد، وأشعر بالفخر والسعادة لاسيما أن  تكريمي إمتداد لتكريم العمالقة محمد الموجي، رياض السنباطي، بليغ حمدي، هاني شنودة، وغيرهم مما أثروا المكتبة الموسيقية بأعمال خالدة، ولا أنسى أفضال شركاء النجاح الذين أمنوا بموهبتي في بداياتي على رأسهم الشاعر عمر بطيشة، الشاعر رضا أمين، عازف الدرامز الشهير يحيى خليل، الصحفي محمد ريان، ومُفجر المواهب أخي الأكبر سيد الشرنوبي - رحمه الله - ولا أنسى فضل أخي فاروق الشرنوبي أيضًا، وأصدقائي المقربين الشاعر عوض بدوي، هاني شحاتة، والمخرج اللبناني الراحل سيمون أسمر.

 هل ندمت يومًا على ترك العمل بمجال الهندسة الميكانيكية؟

لا، بل كان لابد أن يحدث ذلك، لإن الموسيقى كانت شغفي الأكبر، لذا لحقت شغفي وفضلت التركيز عليه عن العمل بمجال قد أشعر بالتقصير تجاهه.

 

اقرأ  أيضا : محمد الشرنوبي بعد مشاركته في حفل «ألحان صلاح»: ليلة مميزة جدا بالنسبة لي

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة