د. حسام محمود فهمى
د. حسام محمود فهمى


شجون جامعية

نِقاشٌ أم حِوارٌ أم جِدالٌ وذكاءٌ اِصطناعى

الأخبار

الخميس، 07 مارس 2024 - 08:12 م

كثيرًا ما يتوه الفرقُ بين النقاشِ والحوارِ والجِدالِ ويختلطُ على الكثيرين، بينما لكلٍ من هذه المفاهيمِِ معناه. لذا من اللازمِ تسليطُ بعضٍ من ضوءٍ على الفروقِ الأساسيةِ بينها خاصةً مع ما يثارُ يوميًا على مواقع التواصل والفضائيات من سجالاتٍ تتوه معها الحقيقةُ ويشيعُ سوءُ الفهمِ والشِقاقُ.

بدايةً، النقاشُ هو تواصلٌ عَفويٌ بين شخصين أو أكثر حولَ موضوعٍ مُعَيَنٍ، بهدفِ عرضِ وجهاتِ النظرِ وما يصحَبُها من أدلةٍ للوصولِ إلى نتيجةٍ أو معلومةٍ صحيحةٍ أو إلى حلٍ لمشكلةٍ مُحَدَدَةٍ. ومن أهمِ قواعدِ النقاشِ حسنُ الاستماعِ، اِحترامُ جميعِ الآراءِ بغضِ النظرِ عن شخصيةِ مُتَبنيها، نقدُ الرأى لا يكونُ من بابِ اِكتسابِ الشهرةِ وإثارةِ الجِدَالِ، تجنبُ التعدى على أشخاصٍ أو منظماتٍ أو سلطاتٍ، النأى عن التعصبِ أو التحيُّّزِ تجاه الأفكارِ والآراءِ، الاِلتزامُ بآدابِ الحديثِ، اِستخدامُ التفكيرِ العقلانى والمنطقي، دعمُ الأفكارِ المطروحةِ بدلائل، عدمُ المناقشةِ فى مجالاتٍ خارجَ نطاقِ المَعرفةِ الشخصيةِ.

أما الحِوارُ فهو أكملُ صورِ التواصلِ إذ يتم بين أطرافٍ على إلمامٍ بموضوعٍ مُعيَنٍ، لمُعالجةِ قضيةٍ من قضايا الفكرِ، العلمِ، المَعرفةِ، السياسةِ، وغيرِها، بغرضِ الوصولِ إلى الحقيقةِ أو لتعزيزِ التفاهمِ، بأسلوبٍ متكافئٍ بين الأطرافِ، يَغلِبُ عليه الهدوءُ، والبعدُ عن الخصومةِ. يسعى الحوارُ إلى إيجادِ اتصالٍ أو نقطةٍ مُشتَركةٍ، وهو ما ليسَ فوزًا أو خسارةً، إذ يطمحُ المُتحاوِرون إلى الاِستماعِ بعمقٍ لبعضِهم، والفهمِ المتكاملِ للآراءِ، وبناءِ منظورٍ جماعى دونَ الاِنزلاقِ لصراعاتٍ أو تجريحٍ. يتميَّزُ الحِوارُ بأصواتٍ هادئةٍ، مع اِحترامٍ لكلِ أطرافِه.

أخيرًا، الجِدالُ هو نقيضُ النقاشِ والحوارِ، فهو أسلوبٌ مَمجوجٌ يدورُ بهدفِ أن ينتصرَ كلُ طرفٍ لاِعتقادِه ولوجهةِ نظَرِه دونَ اِعتبارٍ لآراءِ الأطرافِ الأخرى ولأيةِ براهينٍ وأدلةٍ. يكونُ الجِدالُ فى الأغلبِ مصحوبًا بالأصواتِ العاليةِ واِحتكارِ الصوابِ وبالشَخصَنةِ والغضبِ والعصبيةِ وتبادُلِ الاِتهاماتِ بغيرِ سنَدٍ؛ وهو ينتهى حتمًا بالشِقاقِ والتنافُرِ وتغيبُ عنه أيةُ نتائجٍ أو حلولٍ.

الحياةُ اليوميةُ أصبحَت مسرحًا مفتوحًا للكثيرِ من الجِدالِ على حسابِ الحقيقةِ والصوابِ، على حسابِ النقاشِ والحوارِ، مع الأسَفِ.
كتبتُ عن النقاشِ والحِوارِ والجِدالِ بالبحثِ فى مواقعٍ عِدةٍ على الإنترنت؛ الذكاءُ الاصطناعى يوفرُه ويختصرُ الوقتَ والجَهدَ، إلا أن كُلَه بثمنِه مع تطبيقاتِه بالدولار. لكن لنتحاورْ أو نتناقشْ دون أن نُجادِلَ، هل من الضرورى أن تُخَصِصَ مواقعُ الإعلامِ سواءَ المقروءِ أو المرئى ميزانياتٍ للاِشتراكِ فى تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعى كدافعةٍ لأنشطَتِها؟ أم يُتركُ هذا الأمرُ للتقديرِ والاِمكاناتِ الشخصية؟ ثم ماذا عن الأعمالِ الفنيةِ بتنويعاتِها من رواياتٍ وسيناريوهاتٍ ورسوماتٍ وموسيقى، هل ستكونُ مجالًا يستَتِرُ فيه خلفَ تطبيقاتِ الذكاءِ الاِصطناعى من كانوا يُسمون مُبدِعين قبلَ ظهورِها؟ وهل سَنشهدُ مهرجاناتٍ ومسابقاتٍ لإبداعاتِ تطبيقاتِ الذكاءِ الاِصطناعى فى مختلفِ الأنشطةِ؟ وهل ستخضعُ لذاتِ التحكيمِ والتقويمِ الذى تواجهُه إبداعاتُ الإنسانِ أم سيكونُ باِستخدامِ تطبيقاتٍ للذكاءِ الاِصطناعي؟ فى الجامعاتِ يكونُ التنبيه من اِستخدام تلك التطبيقاتِ لكتابةِ التقاريرِ والأبحاثِ، لكن هل فعلًا تُمكِنُ المتابعةُ على أرضِ الواقعِ؟ ثم، هل تكونُ تطبيقاتُ الذكاءِ الاِصطناعى للأغنياءِ فقط؟ هل أصبَحَت التكنولوجيا صورةً لتميِّزٍ مُستحدَثٍ؟

اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ،،

أستاذ هندسة الحاسبات بهندسة عين شمس


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة