كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

قصة الوطن !

كرم جبر

السبت، 15 يونيو 2024 - 07:53 م

نشرت هذا المقال فى 3 أكتوبر 2012

الأقباط يعيشون فى خوف، ومنذ أيام جمعنى لقاء مع رجل أعمال قبطى ملياردير، يتحدث فى رعب عن المستقبل، وأن الإخوان لن يتركوا السلطة لا بالصندوق ولا بغيره، وأن الأحزاب المدنية واليسارية والناصرية والبرادعية وغيرها مجرد ظواهر صوتية ولا أمل فيها ولا رجاء، وطالما هناك فقر وجياع فالفوز من نصيب من يوزع الزيت والسكر والأرز.

أما كلامه الخطير فيدور حول نقطتين: الأولى هى نصيحته لمن يخافون من الإخوان بالارتماء فى أحضان الإخوان، وأن يتخذ منهم شريكا وحليفا حتى يأمن شرهم، والنقطة الثانية هى اعتقاده بأن الإخوان سيلجأون إلى تصفية خصومهم بعد أن يستتب لهم الأمر، ولديهم ملفات سيتم فتحها وملاحقة أصحابها.
بالطبع لا يمكن أن تلوم رجل أعمال قبطيا إذا كان يفكر بهذا الأسلوب، لأن رجال الأعمال المسلمين أنفسهم فعلوا نفس الشىء، وبدأ كثيرون منهم فى البحث عن أصحاب الذقون فى مصانعهم وشركاتهم ويضعونهم فى المناصب القيادية، ويفتش آخرون فى «شجرة العيلة» أملا فى العثور على جذور إخوانية يتباهون بها، واكتشف آخرون ان اصولهم فى الأصل اخوانية ولكن شغلتهم الدنيا الفانية.

أما غالبية الأقباط فبعضهم «خدها من قصيره» ونجح فى الهجرة ويصل عددهم إلى 90 ألف قبطى منذ الاحداث، وبعضهم يستيقظ وينام أمام السفارة الهولندية بالزمالك أملا فى اللحاق بسعداء الحظ سابقيهم، ويصرخون ويستغيثون من المظالم.. ولكن ماذا عن ملايين الأقباط الذين يعيشون فى مصر؟
وإخوتهم المسلمون أيضا خائفون من مشايخ متطرفين لا يعلم أحد من أين جاءوا، وتنطلق ألسنتهم كالمدفعية الثقيلة بالفتاوى الشاذة والغريبة، التى تفتت النسيج الاجتماعى الوطنى، وتنشر فتاوى تفتح الباب لعودة المظالم والجوارى والرق والعبودية واغتصاب الصغيرات تحت مظلة دينية.

أقباط مصر يشتركون مع إخوانهم المسلمين فى «الهم العام».. وبجانب ذلك لهم همومهم الخاصة، وآخرها التهجير الإجبارى الذى تعرضت له بعض الأسر المسيحية فى رفح، والأسوأ من التهجير هو تصريحات رئيس الوزراء الاخوانى، التى يقول فيها إن تلك الأسر هاجرت بمحض إرادتها ولم يجبرها أحد على ذلك، فإذا كانت تصريحات مسئول الحكومة الأول بهذا القدر من الكذب، فكيف يطمئن الناس؟

نجح المتشددون فيما فشل فيه الأعداء والمستعمرون، من نشر الفرقة والفتن والتشرذم والعداوة والقطيعة، ولم يعد المصريون ذلك الشعب الذى لا تعرف فيه الفرق بين المسلم والمسيحى، فالمسلم يتباهى الآن بلحيته والمسيحى بصليبه، والمتشددون من الجانبين هم الزعماء وأصحاب الشعبية. بنى وطنى لا يلجأون إلى الدولة المصرية اقتضاء للحقوق وارتضاءً بالقضاء، ولكنهم يعتصمون بالمساجد والكنائس، بعضهم يهتف «بالروح بالدم نفديك يا إسلام» وبعضهم «نفديك يا صليب»، ولا نسمع أبداً «نفديك يا مصر»، وظهر المشايخ والقساوسة على مسرح الأحداث يفجرون الأزمات ويعبثون بالمقدرات، واختفت الدولة والأحزاب والسياسيون والمفكرون والعقلاء، وأصبحوا مثل الكومبارس الذى يكتفى بدور ثانوى فى قصة الوطن .

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة