د.محمد شومان
د.محمد شومان


قضية ورأى

إشكاليات التحرر من سجون «السوشيال ميديا»

الأخبار

الثلاثاء، 25 يونيو 2024 - 07:33 م

يمكن إلزام شركات وسائل التواصل الاجتماعى بتبنى ممارسات أمان أفضل، وإزالة المحتوى المزيف والذى يشجع على الكراهية والعنف والتمييز

نعم.. أنا وأنت فى سجون افتراضية، ناعمة، وغير مرئية فرضتها علينا الشركات العملاقة التى تمتلك وتدير وسائل التواصل الاجتماعى، ومن المرجح أن تضاعف تطبيقات الذكاء الاصطناعى من شدة هذه السجون، لكنها ستتيح فى الوقت نفسه إمكانيات وفرصاً لحماية الخصوصية. وأول هذه السجون أننا لا نستطيع أن نقاطع السوشيال ميديا فهى نافذتنا على العالم، ووسيلة سهلة وبسيطة للتواصل والتعرف على الناس، ومحاولة التأثير فيهم، والتسلية والتسوق، فضلا عن الحديث عن النفس والتباهى أمام الآخرين. 

والسجن الثانى هو أننا نعمل لدى هذه الشركات دون أن ندرى، فالمحتوى الذى تشاهده أو تعيد إرساله للأصدقاء سواء كان صورا أو فيديوهات سريعة أو نصوصا وتعليقات أو حتى المميز (رموز الحب والغضب والضحك.. الخ) هو من إنتاج أفراد لم ولن يدفع لهم عمالقة السوشيال ميديا جنيها واحدا، وإذا تخيلنا أن كل المشتركين فى منصات التواصل الاجتماعى توقفوا عن إنتاج ونشر صور وفيديوهات وتعليقات، فإن منصات التواصل الاجتماعى ستكون فارغة من المحتوى، ولن يتابعها إنسان. 

إذن نحن نعمل بالمجان عند عمالقة الإنترنت، عمل يُعرف بالعبودية الرقمية غير مدفوعة الأجر، لكنها عبودية محببة إلى نفوسنا، لأننا نتنافس من أجل إنتاج مزيد من المحتوى الجذاب والذى ينتهك أحيانا خصوصيتنا. ومع ذلك قد يرى البعض أن المستخدمين ينتجون المحتوى بالمجان لأنهم لا يدفعون اشتراكات لعمالقة الإنترنت، ويمارسون حرية الرأى والتعبير، لكن هذا الكلام مردود عليه، لأن حرية المستخدمين محدودة ومراقبة كما سنرى، كما أن بيانات المستخدمين وتفضيلاتهم تُستخدم فى إنتاج إعلانات ذكية تستهدف المستخدمين بناء على بياناتهم وتفضيلاتهم، مما يحقق أرباحاً سنوية هائلة لعمالقة الإنترنت. ومن المتوقع أن يصل إجمالى الإنفاق على الإعلان على وسائل التواصل الاجتماعى إلى 219.8 مليار دولار فى عام 2024. 

أما السجن الثالث فيتجسد فى خوارزميات السوشيال ميديا، وهى باختصار شديد مجموعة من البرمجيات التى تُستخدم لتحديد المحتوى الذى يظهر للمستخدمين على أساس الاهتمامات الشخصية والسلوكيات السابقة، إضافة إلى عوامل ديمرغرافية كالسن والمهنة والدخل والسكن الخ، وتختلف خوارزميات الفيسبوك عن تويتر عن تيك توك، لكنها جميعا تخلق سجونا افتراضية معقدة تتحكم فيما نراه أو نقرأه، والأخطر أنها تتعامل مع المستخدمين كمشترين للسلع والخدمات، فتجد صفحتك على الفيسبوك تمطرك بمئات الإعلانات عن أنواع وأسعار الهواتف فى السوق المصرى بمجرد أنك كنت تتحدث مع صديقك عن رغبتك فى شراء هاتف جديد أو كنت تبحث على جوجل عن أنواع ومواصفات الهواتف. كيف عرفت خوارزميات الفيس بوك أنك تفكر فى شراء هاتف جديد؟ 

الإجابة ببساطة تقودنا للسجن الرابع وهو انتهاك الخصوصية، فأنا وأنت وكل مستخدمى السوشيال ميديا مُراقبون على مدار الساعة، لكنها رقابة ناعمة تهدف إلى إمتاعك وإغراقك فى النزعة الاستهلاكية، فالبيانات الشخصية للمستخدم فى أى دولة بالنسبة لعمالقة الإنترنت هى مجرد سلعة، تُباع وتُشترى، بعد ذلك يتم استهداف المستخدم لكى يتحول إلى مستهلك شره للسلع والخدمات، فى هذا السياق هناك برامج تنصت ورصد ومتابعة لاهتمامات المستخدمين عبر العالم، وللأسف فإن المستخدم يسمح بذلك عندما يوافق على منح الفيسبوك أو التيك توك صلاحيات تحديد الموقع وفتح الميكروفون وغيرها، كذلك هناك ما يُسمى بالكوكيز وهى عبارة عن ملف نصى يتم تحميله إلى هاتفك المحمول أو الحاسوب عند زيارة المواقع الإليكترونية والهدف منه التعرف على بعض المعلومات للزائر.  

السجون الأربعة هى الأهم والأكثر شهرة، لأن هناك سجوناً أخرى مثل سجن إدمان وسائل التواصل الاجتماعى، وسجن غرف الصدى وفقعات التصفية التى تحبس أى مستخدم ضمن أفكاره وتفضيلاته، وتمتنع عن عرض الآراء والأفكار الأخرى مما يعزز التحيزات الموجودة لديه. وهناك سجن الأخبار المضللة  Fake News وسجن التزييف العميق Deep Fake، من هنا تبرز عدة من إشكاليات مرتبطة بكيفية التحرر من سجون وسائل التواصل الاجتماعى.  

بداية لابد من التسليم بصعوبة مقاطعتها، أو مقاطعة خدمة الإنترنت، لكن يمكن سن قوانين لحماية البيانات الشخصية أكثر صرامة على نحو ما قامت به دول الاتحاد الأوروبى.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة