زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

وقفة بين طبيبين.. و«الإنسان» يكسب

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 13 أغسطس 2021 - 07:34 م

كنت مصاحبًا لصديقٍ مريضٍ، ننتظر فى عيادة طبيب شهير، نتأمل وجوهًا أنهكها المرض، ونتألم لأنين شيخٍ مسنٍ غلبه الوجع.
فجأة.. دخل رجل سبعينى نحيف الجسد، يستند على عكازٍ من التعالى، ويلبس نظارة توارى عينين تنضحان غرورًا. وبمجرد دخوله صرخ فى الحضور: كل عيّان يلبس الكمامة وإلّا هاطلعه برّه!
استفزنى أسلوبه جدا، وحين هممت بالرد.. أمسك صاحبى بيدى وقال: إنه الطبيب المعالج! فتمالكتُ أعصابى مخافة أن أضاعف آلامه.. ثم تبدل وجه الطبيب العابس بقسماتٍ من  الرضا، حين أخبرته فتاة بابتسامةٍ، بأنها من طرف فلان بيه، فاستثناها من زحام الدور! وطلب من المُساعدة ترتيب الباقين بأولوية الحضور، فابتسم صديقى الموجوع بمتاعب فى الغدة، وقال: ما باليد حيلة.. وحين جاء دورنا.. سألنا الطبيب قبل أن يرد السلام: فين فلوس الكشف؟ كانت المرة الأولى التى أرى فيها طبيبًا يُحصّل أتعابه بنفسه، ويعدها بحرص شديد، ويُبدل النقود التى يراها -من وجهة نظره- أنها متهالكة!
وحين طالبه صديقى بخصم كوبون نقابة الصحفيين رفض، وقال بعنجهية: عاجبك تكشف من غيره ماشى.. مش عاجبك بلاش!
ثم فتح درج مكتبه وأشار بإصبعه إلى كومة من النقود، وقال: أنا باخد من المصرى 400 جنيه والأجنبى 500، احمدوا ربنا!
بعدها بأيام انتابت ابنى أعراض تشبه كورونا، فتواصلت عبر فيسبوك مع الطبيب النابه، ابن الصعيد الشهم د. «أيمن الفقير»، وهو صديق إلكترونى لم أتشرف بلقائه، يعمل اشتشاريا لأمراض الصدر والحساسية بسوهاج.. فاستقبل استفسارى برحابة صدر وأدب جم، ووصف لى علاجًا، وكان بفضل الله فيه الشفاء، ولم يكتفِ بهذا، بل كان يضحى بجزء من وقته وجهده ليتابع حالة ابنى. فأنستنى سماحة هذا الطبيب الخلوق جفاء وغلظة الذى قبله.. أعرف كثيرين من الأطباء الذين قدموا الإنسانية على المال، إيمانا بأن الطب أعظم مهنة عرفها التاريخ، ولا تليق إلا بمن كانوا رحماء بمن حولهم.. وتجدد اليقين بأن كل الأشياء فانية، ومهما تبوأ الشخص من مكانةٍ لا يبقى فى ذاكرة الخلود إلا من كان إنسانًا.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة