زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

حكايات مبعثرة على مقاعد الأتوبيس

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 17 سبتمبر 2021 - 06:52 م

حين سألته عن طبيعة عمله قال: كنت لصًا..لدى محل فراخ وأبيع بسعر منخفض مقابل الغش فى الميزان!
واشتغلت بهذه المهنة لمدة 15عاما، منذ قدومى من قريتى إلى القاهرة، وكنت أكسب مبلغًا كبيرًا فى اليوم الواحد، ربما يتجاوز 500 جنيه.
ولكن كنت أصرفها فى أوجه الانحراف بنفس اليوم، ومع ذلك كلما سمعت الأذان يهزنى الحنين للتوبة..فأهمُ وأقف على باب المسجد، فيقول لى شيطاني: كيف تقف بين يدى الله وأنت لص؟ 
ولماذا لم تبع بما يرضى الله؟
ضحك بسخرية وقال: حاولت مرة واحدة، فكان الزبائن يفاصلون فى السعر كعادتهم وخسرت فى هذا اليوم 50 جنيهًا!
وكيف كانت توبتك؟ 
ذات يوم.. كنت مصاحبا لقريبٍ فى زيارة لمقام السيدة زينب، وأنا فى رحاب الضريح انتابتنى نوبة بكاء شديدة، رغم أنى لم أُصلِ الوقت، ولكن خرجت بنفحات نورانية انقعشت بها ظلمة القلب، وأضعفت عزيمة الذنوب بداخلي، فتوضأت وصليت ركعتين، وناجيت الله بأنى يصرفنى عن الحرام. 
كان الرجل التائب يجاورنى فى مقعد الأتوبيس، ويستند برأسه على زجاج النافذة التى تزعجنا بضجيج لا يحتمل، ومع ذلك تتمايل هامته فى وصلات من النوم العميق!
فجأة استيقظ على رنة هاتفه المزعجة، فشكا للمتصل به تعنت المدير الجديد، وإصراره على تحويله للوردية الثالثة بالمصنع التى ينتهى العمل بها فى الثامنة صباحا.
وأنه لا يستطيع النوم أكثر من 3 ساعات يوميًا حتى يلحق بعمله الإضافى كنادلٍ فى كافيه شهير.
نظرت إليه وكلى يقين بأن أغلب الذين ينامون فى المواصلات هم أبطال على جبهات معارك يومية مع الشقاء، حتمًا لا تتعاطف معهم المشاوير، ولا يجدون من يسمعهم فيسكبون آلامهم على مقاعد تحتضنهم بكل تضامن وود. 
وبعد انتهاء مكالمته المملوءة بترانيم الوجع قص على الحكاية، ثم ابتسم بعناءٍ شديدٍ وقال: مهما كان الحلال مؤلمًا.. لكنه يمنحنا أعظم نيشان.. وحين سألته: ماهو؟ قال: راحة الضمير.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة