زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

الوحدة.. نزهة العقل وونس الروح

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 24 سبتمبر 2021 - 08:52 م

الوحدة.. متعة أن تقسم روحك لنصفين، أحدهما يبكى والآخر يربت على قلبك.. أن تُلقى النكتة.. فتضحك الحوائط حولك. أن تبتسم أو يظل وجهك عابسًا، فلا يسألك أحد ولا تعلم مرآتك السبب.
أن تخلق ساحةً لنزال الهموم فى خاطرك؛ وحين تشعر بنشوة انتصار.. تتأبط نفسك برفقٍ، وتبارك نجاحات تُجلجل داخلك.
الوحدة.. تلك اللحظات الرائعة لبناء بيتٍ من حلمٍ وقصرٍ من حكاياتٍ لا يُقاطعك فيها ثرثار؛ فتملأ فسحة السماوات بامتداد أجنحتك، مستمتعًا باستنشاق ما يروقك من الذكرى، مستأنسًا بصخب طيف من تهوى، بعيدًا عن سماجةِ منافقٍ، أو مجالسة روح غريبة.
لا أعتبر الوحدة مجرد صفحة وقت فارغة، بل هى وسيلة مناسبة لملء جوف القلم بالرغبةِ فى الكتابةِ، وهى الأنسب لولع الحروفِ بأناقة المسافات بين السطور حتى ينجب الفكرُ ما يستحق رشاقة الفاصلة بين عبارتين.
 قبل سنوات بعيدة كنت أعيش وحيدًا فى شقة كئيبة التفاصيل بأحد الأحياء الشعبية مكونة من غرفة وصالة ونافذة كبيرة على الأحلام. كنت أتأمل مساحة السقف مستلقيا على ظهرى، وأحسد عنكبوتًا هندم بيتًا من وهمٍ، وكله ثقة بأنه يصلح عُشًا لحبيبين.
 كانت كل الجمادات تتعاطف مع وحدتي.. فيُغلق باب الغرفة المتهالك بنسمة هواء شاردة، ويفوحُ كثيرُ العطرِ من إصّيص النعناع بقليلٍ من الماء، وتشتعل الرغبة فى الفكر بعود ثقاب، ورائحة فنجان قهوة.
كنت محاصرًا بإزعاج الكلاسات، ومع ذلك أستمع لوصلات أغانٍ شعبية؛ تصدح من  فم كاسيت بدائى أمام طرقة ضيقة، تواجه شقة جارٍ لا أعرفه.
كنت أمشى على مهلٍ على قطع البلاط المتآكلة فى الصالة حتى أضع ذراعى على حواف شرفة مليئة بالحفر، وأتابع فوران كنكة القهوة الموضوعة على هامة موقدٍ بدائي؛ لم يفلح أبداً فى طهى أوقات الندم على سنوات عمر مضت فى يقين زائف بأن الونس يكمن فى كثرة من حولى من البشر.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة