الدكتور لؤي شبانة
الدكتور لؤي شبانة


الدكتور لؤي شبانة يكتب: قبل فوات الأوان

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 06 يناير 2022 - 08:02 م

تخيلت الفتاة المسكينة أن حبة الغلة السامة هي ملاذها الأخير، تناولتها وسرعان ما لفظت أنفاسها، ووضع السم حداً لحياتها ودفن أحلامها وكل ما كنت تصبو إلى تحقيقه.

لقد اعتقدت اليافعة ابنة الـ16 عاماً أنها بلغت حداً لا يمكنها معه المواجهة، وتراءى لها أن كل شيء حولها يتهاوى بلا رحمة، وقبل تناول الحبة القاتلة خطت رسالة وداعها المؤلمة لوالدتها؛ سردت بكلمات مؤثرة ما تعانية من حزن وغضب وحنق؛ وما مرت به من ظلم وما اعتراها من خوف. كل ما شغل بالها هو التأكيد على أنها ضحية جريمة ابتزاز وضيعة وتوسلت للجميع أن يصدقوها، لقد شعرت بأن لا خيارات أمامها للنجاة من المأزق الذي وضعت فيه.
 
هذه الفتاة كان يمكن أن تكون إبنتي أو ابنتك أو شقيقة أو قريبة أي شخص بيننا، فما الذي يوصل فتاة في مقتبل العمر لوضع حد لحياتها؟ إنه فقدان الأمل والإحساس بالظلم الاجتماعي والأسري وانسداد الأفق، لقد شعرت الفتاة اليافعة أن أحداً لن يصدق روايتها، وأن حجم الضرر غير قابل للمواجهة.

 إذن هو فقدان الأمل أيها السيدات والسادة... إنه الذعر من استغلال شماعة "شرف العائلة" في كل شيء. هو التلويح بهذا الغول في كل وقت وحتى دون التعمق في التفاصيل او الاستماع والتعقل والتفكر في حقيقة ما حدث.  وما دام هذا الفهم المشوه يسود المكان فإن هذه المآسي تتكرر بين الحين والآخر في منطقتنا، وللأسف فهي ليست حكراً على مجتمعات محددة او مستوى اجتماعي أو اقتصادي معين.
 
وفي انتظار أن يفصل القضاء في قصة هذه اليافعة وغيرها من قصص مشابهة بعد التحقق والتثبت من كافة المعطيات، أود أن ألقي الضوء على المسألة عبر البعد الإنساني المحيط بإقدام فتاة في مقتبل العمر على إنهاء حياتها، إن ما حدث مأساة بكل المقاييس وتعبير صارخ عن فشلنا جميعاً كأولياء أمور ومربين ومجتمع وقادة فكر ومنظومة حوكمة، إنه فشل جماعي لكل المنظومة عن توفير الحماية اللازمة لبناته ومراهقاته ليعشن بحرية ويتمتعن بحقوقهن الأساسية.

 

إن حالة الانتحار هذه تدق ناقوس الخطر وتبلغنا جميعاً بأن بناتنا يعشن خوفاً وقلقاً وضعفاً شديداً بينما المتنمرون يتجاوزون وبشكل منتظم حدودهم ويوهبون لأنفسهم الحق في تدمير حياة اي فتاة لا تستجيب لرغباتهم المريضة او تنقاد لاستغلالهم الجنسي.
 
نحن بحاجة لوقفة جدية من قبل الحكومات والمشرعين وقادة الرأي ورجال الدين والجامعات وعلماء الاجتماع لتطوير التقاليد والأعراف الاجتماعية والبيئة القانونية الوطنية بحيث تصبح حاضنة لحقوق النساء والمراهقات، وحامية لهن من التنمر والتحرش. لقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعي عالماً افتراضياً جديداً، لكن لا بد أن نتمتلك جميعاً الإرادة الصادقة لمنع إساءة استخدام هذا الفضاء للتنمر والتحرش والاعتداء على بناتنا ونسائنا، وأن نعمل من أجل أن يصبح هذا العالم الافتراضي آمنا للجميع دون استثناء في إطار الحقوق والواجبات. 

على العائلات كذلك حماية الناجيات من العنف والابتزاز على الفضاء السيبراني، يجب توفير البيئة الآمنة الداعمة التي تمكنهن من طلب العون والمساندة، إن ذلك يشكل خط دفاع جوهري يشعر الفتيات بالأمان والقدرة على مواجهة العنف والابتزاز. 

ويدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان حق جميع النساء والفتيات بالتمتع بحياة خالية تماماً من كافة أشكال العنف بما في ذلك العنف الممارس على شبكة الإنترنت.

بقلم الدكتور لؤي شبانة - المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة