يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

سبع غُرف وصالة!

أخبار اليوم

الجمعة، 11 فبراير 2022 - 08:17 م

سبع  غُرف وصالة كانت تجمع عائلة من تسعة أشخاص، السقف عال  كما كل بيوت العِز، وباب البيت له شُراعة من الحديد تستقبل وجوه الزوار فى ود ومحبة، ياما شافت وجوه عزيزة بعد غياب ووجوه سعيدة ليلة عيد ووجوه غريبة غلطت فى العنوان .


بيبان الغُرف خشب زان صلبة وطويلة ولها شُراعة زجاج تُمرر النور، والمطبخ رُتب ترتيب ست البيت لكى تُعد الفطار دون أن تُزعج حبايبها النائمين، وحتى تَطبخ طبخة الغداء بحب واستمتاع .


للصالة بلكونة عريضة تتسع للسهرانين فى ليالى الصيف الطويلة حتى الفجر، كراسى الخيزران متينة ومريحة وترمس الشاى يتداوله الكل مع أصابع البقسماط .


فى الصالة ترابيزة طعام مفرود عليها مفرش الكورشيه الذى صنعته جِدة عجوز بعيون لامعة، يستقبل أعياد الميلاد الحلوة وزماميرها ونفخة البلالين وتورتة الكريمة .


من الغُرف السبع  غُرفة مقفولة على صالون مُذهب ملموم بِكسوة بيضاء لا تُنزع عنه إلا فى الأعياد والمناسبات السعيدة، يختبئ فيها سبعة أطفال إذا لعبوا استغماية.


رائحة تسييح كور السمن البلدى مازالت فى الجدران، ورائحة فانيليا وبخور الجمعة المخلوط بعين العفريت، للباب أنة مثل بكاء طفل حين تفتحه بعد غياب ثلاثين عاما عنه، ذهب كل الأحباب ببهجتهم المحببة عن غُرفه وصالته، ولم يكن فى البيت سوى صور قديمة مُتربة وراديو ضخم ياما سمعنا منه قُرآن العشاء وأذان المغرب وأم كلثوم فى ليالى العيد .


حين وضعت مفتاحى الذى لم يغادر سلسلة مفاتيحى يوما لم يكن صدئا، تحرك بسهولة لكى أدخل إلى عالمى السرى، من ثلاثين عاما لم آت هنا، خائف من تلك اللحظة حين تُصبح البهجة أطيافا وأصحاب السعادة ذكريات وترابيزة السفرة العتيقة الضخمة شبحا يحمل كراسى طويت عليها، البلكونة كُسر سورها المنحوت، وأبواب الغُرف لها صدى صوت مُخيف، دولاب التليفزيون الضخم مُغلق على عتمة، ومفرش الدانتيل على الراديو العتيق مازال يحمل مزهرية زرقاء.


جلست على مقعد الصالون الضخم دون مبالاة بالتراب الذى يغطيه، فجاء حتى نظرى كل ذكرياتنا الحلوة، كل أفراحنا، صوت عبد الحليم حافظ فى ليالى شم النسيم، النقشبندى فى مغارب رمضان، أبى وتلاوته من مصحفه المستقر على ترابيزة بجوار التليفون الأسود.


أجتهد كى أستعيد كل صورنا القديمة، أؤكد لنفسى أن البيت يحمى كل أصحابه وإن غادروه، تأتينى ضحكة أمى فى أمسياتها المسلية، أرى كُرة الصوف تدحرج بين المقاعد، أرى الوجوه المُطلة من شراع الباب، وصُحف الصباح مُلقاة بمهارة موزع حاذق فى بلكونة البيت.
أُغلق الباب .. بعد وَنس وأمضى مطمئنا أننى عشت حياة عامرة بالبهجة .


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة