أشرف غراب
أشرف غراب


خد بالك

عامًا للقمح.. فعلناها كثيرًا !!

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 08 مارس 2022 - 04:20 م

أشرف غراب

تعلو أصوات العالم أجمع لإيقاف القتال على الأراضى الأوكرانية، ووقف أصوات البارود، تجنُّبًا لأزمةٍ اقتصاديةٍ عالمية، آثارها قد تكون المدمِّرة على الجميع، والتى سوف تمتد، حال إطالة أمد الحرب لأشهرٍ، لكارثةٍ غذائية تفرض مجاعةً فى أوساط الدول الفقيرة والمستوردة للحبوب، خاصةً أن روسيا وأوكرانيا تُعدَّان سلةً إنتاجيةً للغذاء تبلغ ربع ما يُنتجه العالم من المحاصيل الاستراتيجية اللازمة لبقاء الإنسان، التى أهمها على وجه التحديد القمح، الذى لا غنى عنه لأى دولةٍ لإطعام شعبها.

تُعتبر مصر من أكبر الدول المُستوردة للقمح، وتأخذ وجهتها منذ زمنٍ ناحية روسيا لجلبه بالأسعار المناسبة والجودة المطلوبة، ثم من أوكرانيا التى أصبحت تمد مصر بما يكفى الاستهلاك المحلى، وعند بدء القتال هناك بين الجانبين، وانطلاق النداءات التى تُحذِّر من عواقبها، وضعت بعض الدول التى تستورد منهما السلع الاستراتيجية، أيديها على قلوبها، نظرًا لخطورة الأمر، وهى بالطبع غالبيتها عربية باقتدار، من بينها المغرب والجزائر والسعودية، إضافةً لدولٍ أفريقية أخرى، والتى إنتاجها من القمح لا يكفى بضعة أشهر من استهلاك شعوبها، ولحُسن الحظ كان فى الاحتياطى المصرى ما يكفى نحو أربعة أشهر منه، إلى جانب اقتراب حصاد المحصول الذى سوف تكون بدايته منتصف الشهر المقبل، وهو بالطبع سيحدُّ من آثار الكارثة، لكنه أيضًا لا يعفى رقابنا من العواقب الوخيمة للحرب التى قد تمتد تبعاتها لفترة لا يعلم مداها إلا الله.

وللحديث عن السلع الغذائية كالقمح والأرز والشعير والذرة على وجه التحديد، فقد ألقى الخبراء المُختصون فى مصر بدلوهم فى هذا الأمر كثيرًا، وتمَّت دراسة العديد من الأمور التى قد تُساعد فى تحقيق الاكتفاء الذاتى منها، أو على أقل تقديرٍ تقليل نسبة الاحتياج والاستيراد من هذه السلع للدرجة التى تصل بنا لمرحلة الأمان الغذائى الذى لا يُهدِّدنا عند كل أزمة عالمية تحدث، ويُقيِّض مضاجعنا ويجعلنا فى حيرةٍ من أمرنا، وقد آن الأوان لأن نعمل أكثر وبطريقةٍ احترافيةٍ لتحدِّى المعضلة الأخطر، وهى توفير احتياجات المصريين الغذائية.

وللتغلُّب على إشكالية الإنتاج من سلعةٍ حيويةٍ مثل القمح وتحقيق الاكتفاء منها يجب الوضع فى الاعتبار عِدَّة عوامل أهمها؛ زيادة الإنتاج؛ ويتحقَّق ذلك بخفض تكاليف زراعة القمح المرتفعة نسبيًا اليوم، وعودة الدورة الزراعية كما كان يحدث مع محصول القطن من تحديد مساحات لزراعته، فهناك حاليًا مزارعون يُفضِّلون زراعة محاصيل أخرى تُدر عائدًا أكثر، مما قلَّص الإنتاج، أيضًا ذهاب التقاوى الجيدة وانعدامها والزراعة بنوعية أقل إنتاجية ورديئة ربما الفلاح نفسه لا يعرفها، فضلًا عن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج خاصة السماد، وتدخُّل السوق السوداء فى ذلك بقوةٍ، وإعطاء أسعار تُجبر المزارع على عدم زراعته المحصول، ومحاولة شرائه توفيرًا للوقت والجهد والمال.

كان من ضمن أسباب قلة المحصول الاستراتيجى "القمح" أيضًا، عدم تحديد سعرٍ مجزٍ لشراء إردب القمح من المزارع، وعدم إعلان الدولة قبل زراعته بوقتٍ كافٍ عنه، وذلك لتشجيع المزارع على زراعته والترغيب فى ذلك بالعائد الربحى الذى يكفى حاجته ومستلزماته وأيضًا ما يعود عليه من ورائه، ناهيك عن تدهور خصوبة الأراضى الزراعية بسبب ملوحة التربة واستخدام أسمدة لا تتناسب وطبيعتها، وعدم الإشراف من الجهات الزراعية بأماكن زراعته على المحصول، وتقديم يد العون وإعطاء الإرشادات المناسبة للمزارع، ثم تأتى الكارثة الأكبر جُرمًا، وهى جريمة الاعتداء على المساحات الصالحة له بالتبوير، والتجريف، أو البناء فوقها، ومعلومٌ أن المستصلح من الأراضى الجبلية، لا تصلح فيه زراعات مثل القمح والأرز والقصب والذرة، لحاجة هذه الزراعات لمياه الغمر، وهو ما لا يتوافر بها مع نقص المياه الشديد الذى تُعانيه مصر حاليًا ومحاولتها توفير البدائل، إلى جانب ارتفاع أجور العمالة الزراعية، وكلها عوامل تؤدى فى النهاية لقلة الإنتاج من محصولٍ حيوى مثل القمح.

من السلبيات التى لا ينبغى غض الطرف عنها وتؤثِّر فى تحقيق إنتاجية من القمح أيضًا نسبة الهدر الموجودة أثناء حصاد المحصول وبعده، أى خلال القيام بعمليات النقل والتخزين، كما يقوم البعض مع غلاء الأعلاف باستبدال ذلك بالقمح وإعطائه للحيوانات والطيور، ثم تأتى الإشكالية الأخطر وهى زيادة عدد السكان كل عام بنسبةٍ غير مقبولة، وزيادة استهلاكنا من القمح، والإسراف فى تناول النشويات المصنوعة كليًا منه، مع غياب التوعية الصحية بأسلوب الغذاء السليم والصحى بين نوعيات الغذاء المختلفة من وزارة مثل الصحة، واعتماد المزارع على الشون الترابية والمكشوفة والأجولة التقليدية التى تُهدر المحصول وتُفسده، ويضيع فاقدًا لا بأس به من الناتج المحلى الإجمالى.

يجب ألا نبكى على اللبن المسكوب الآن، بل نُسرع الخطى بتوفير البدائل العاجلة والآنية، والتى أراها بخلاف علاج ما سبق فى عِدَّة عوامل يجب العمل عليها بجديةٍ أكثر؛ وأهمها تنويع مصادر استيرادنا حاليًا لحين اتخاذ الخطوات التى تضمن تحقيق الاكتفاء الذاتى الذى لا يأتى بين يومٍ وليلة، وعقد اتفاقيات مع دولٍ عربية مثل السودان كنموذجٍ للأراضى الخصبة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والأرز والذرة، حتى لا نُستغل فى الأزمات من الدول التى لها أهدافها وتمسكنا من أيدينا لحاجتنا للغذاء، ثم داخليًا، باستيراد تقاوى أكثر إنتاجية منه، وتفعيل الإرشاد الزراعى، وعودة الدورة الزراعية، والسرعة فى إبرام اتفاقيات ربط الأنهار ومحاولة إنجاز ذلك كنهر الكونغو الذى تحدَّثنا فيه طويلًا لتوفير المياه وزيادة الرقعة، وخفض الأسمدة وتشجيع المزارع بالإعلان عن عائد المحصول المُجزى قبل زراعته، والقضاء على مسألة تبوير الأراضى الخصبة بإحكام القبضة القانونية، والتوعية بمخاطر استخدام القمح كأعلافٍ للحيوانات على أمننا الغذائى.

وأقترح أيضًا القيام بعمل دراسات سريعة وعاجلة من قبل خبراء الزراعة، للاستفادة من تجارب دول مثل الهند والبرازيل، التى حققت اكتفاءً ذاتيًا من القمح بعد أن كانت مستوردةً له، ومحاولة تلافى أخطاء الماضى بكل السُبل، لإنهاء المعضلة، وقد نجحنا فى تحقيق الاكتفاء من عديدٍ من السلع، وليس الأمر مستحيلًا متى توفَّرت الإرادة والعزيمة، ويُمكننا أيضًا إجراء الدراسات الفورية على مناطق مثل الدلتا والوادى وسيناء، فهناك من أكد من الخبراء بقابليتها لزراعة مثل هذه المحاصيل الاستراتيجية المهمة لنا، وأخيرًا جعل العام المقبل عامًا لزراعة القمح، والعمل عليه من جميع النواحى حتى ننجح فى أقل وقتٍ ممكن، ولقد أعطانا الرئيس السيسى الثقة والقدرة على سرعة الإنجاز، وخصَّص أعوامًا للمرأة وذوى الهمم والتعليم وغيرها، فلماذا لا نُطلق لغذائنا عامًا يكون هو الأقوى لتوفير قوتنا من أرضنا.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة