أشرف غراب
أشرف غراب


خد بالك

كورونا والحرب.. ومصر التى فى ساحة المعركة 

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 17 يوليه 2022 - 05:29 م

بقلم: أشرف غراب

قال الأديب المصرى العالمى، نجيب محفوظ: "مَنْ لم يتعلَّم من الضربة الأولى، فلا يغضب إن تلقَّى الثانية"، وهى حِكمة ذهبية ثمينة لمَنْ تدارس معناها جيدًا، وأخذها سبيلًا فى خطوات الأيام العجاف السابقة والقابلة، خاصةً تلك التى يستيقظ فيها عالمنا يوميًا على أزمات تتبعها أخرى، وباتت الأمور خارج نطاق السيطرة، وأعتى الاقتصاديات فى مهب الريح، والبشرية فى أشد الاحتياج إلى كِسرة الخبز، ونقطة المياه، وعوامل الأمن والأمان من تقلبات الطبيعة وتسارع وتيرة العنف والأطماع، وبعد أن أضحت الطاقة والوقود والحبوب سلاحًا ينحر به القوى الضعيف، حتى يخضع لشروطه وطموحاته الجامحة فى كل ما يُريده منه ولو كان غير مقبولٍ شكلًا ومضمونًا، وتأباه الإنسانية وتلفظه القوانين الوضعية التى ابتدعها.
الناظر من نافذة الأمل قد يرى المرغوب المأمول بعيدًا أو صعب المنال حاليًا وربما فى المستقبل القريب، وقد تكون الرؤية ضبابية للحد الذى تقول معه بالفعل إننا فى مِحنةٍ مُستعصيةٍ على الحل، وخيوط تشابكها مُعقَّدة للغاية، لم يُجدِ معها تخطيطات حكومات ولا تحليلات خبراء وتكتيكاتهم للهروب من شباكها، بل إن روافد المال والذهب نفسها التى تستحوذ عليها كُبريات الدول، والتى تفرض سطوتها ولها الكلمة العليا فى رفاهية شعوبها، لم تعد ذات مغزى ومعنى فى مقابل جلب حاجياتها الضرورية من النفط والغلال والخضروات، وأيضًا وسائل إنقاذ حياة ساكنيها من أدويةٍ وعقاقير مضادة للأوبئة والفيروسات المُهلكة، وغيرها من متطلبات لحظية لبقاء البشرية على قيد الحياة، بعد أن اتحدت الطبيعة بكل قوتها وكبريائها مع جبابرة الأرض المُتسلطين على أهلها؛ لإهلاك الحرث والنسل ومحو كل مَنْ يسكن البسيطة.

أكثر عدوانيةً وعنفًا، والأوسع انتشارًا.. هذا هو حال فيروس كورونا الآن بعدما تحوَّر لسلالات، إلى أن وصلنا لمحطة أوميكرون "A.B4، وA.B5"، وهما سلالتان متشعبتان من المتحوِّر الأخير، رغم مرورنا بآخرين من قبل "ألفا ودلتا"، اللذين حصدا ما حصدا من أرواحٍ على مستوى العالم، ونكَّلا بأسرٍ وعائلاتٍ، وأنهكا أجسادًا، وتسبَّبا فى خسائر مادية ومعنوية يُندى لها الجبين، والأصعب أن تلك السلالتين حديثتى العهد بالجهاز التنفسى للإنسان، يُمكنهما - حسب أقوال خبراء الطب -، تجاوز المناعة الناتجة عن عدوى سابقة بالفيروس أو تلك المُكتسبة عن تلقى لقاحٍ، وتم رصدهما فى أفريقيا، وبالتحديد فى جنوب القارة السمراء، مطلع هذا العام، وانتشرا فى غالبية دول أوروبا وبعض الدول الأخرى ومنها بالطبع العربية، ويزعم متخصصون فى مكافحة الفيروسات، أن قدرتهما على النفاذ إلى البلدان والبشرية أكثر من قدرة غيرهما من المتحورات السابقة.

المُراقب للحركة الداخلية والخارجية لمصر، يُدرك أن بلدنا يستقبل نحو 600 ألف زائرٍ ومقيم أسبوعيًا من الخارج، وهو ما يعنى اقتراب الفيروس بقوة من الجميع، وذلك ما ظهر جليًا خلال العشرة أيام الماضية، طبقًا لما صرَّحت به مصادر رسمية بالدولة، وتمثَّلت الأعراض فى الرشح والاحتقان والعطس وتكسير الجسد مع فقدان لحاستى الشم والتذوق فى حالات قليلة، وهو ما دعا لجنة كورونا بالبلاد للتشديد على الالتزام بالإجراءات الاحترازية، من ارتداء الكمامة والتباعد وتجنُّب الاماكن مُغلقة التهوية، خوفًا من العودة للأيام الصعبة التى واجهناها من قبل، ونخشى ما نخشاه من سياسة إغلاقٍ عالمية جديدة لقلاع الإنتاج، ونقص الموارد الصحية، ناهيك عن أزمة الوقود والغذاء التى بات العالم أجمع بصددها، جراء الحرب الروسية الأوكرانية التى اشتعلت منذ أشهر ولم تظهر فى الأفق بوادر لتوقفها، وما زلنا فى مصر ندفع فاتورة اشتعالها أضعافًا مضاعفةً؛ لأننا قصرنا طويلًا فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من حاجاتنا الغذائية، خلافًا للصحية والصناعية والزراعية والتنموية.
البكاء على اللبن المسكوب ليس حلًا للعقبات والنكبات، ولكن التخطيط الجيد والمدروس والعمل المتواصل، سُبل خلاصٍ من أى قيودٍ تُطوّق أعناقنا اليوم وغدًا وبعد غدٍ، ولقد كنت ممن نادى كثيرًا فى المنصات الإعلامية وعلى الشاشة الفضية الصغيرة، بأن النجاح يتطلب جهدًا مُضعافًا وبفكرٍ ورؤى عصرية، بعيدةً عن سياسة المواربة والمصالح الضيقة والنظر تحت الأقدام، وهو ذلك التوجُّه الذى يسير عليه رمز الدولة منذ العام 2013، ويأمر به الحكومة فى كل اجتماعٍ ومؤتمرٍ ومحفلٍ محلىٍّ وعالمىٍّ يتواجد فيه، وأكثر ما يُعجبنى فى الأمر أن الرئيس السيسى رجلٌ لا يعرف المستحيل أو مُتسع الوقت للتنفيذ، بل هى أشياء آنية بالنسبة لشعب تعداده مائة مليون ويزيد لا تحتمل التأجيل، فترى التنفيذ والإنجاز وجنى الثمار فى معظم المشروعات من داخل العام، ما كان مثار إعجاب المراقبين للشأن المصرى عامة، خاصةً عندما تسمع من الرئيس قوله بعد تعقيب المسئول عن التنفيذ فى عامين وثلاثة، فيُوجِّه بجملته الشهيرة "عام واحد فقط وأستلمه".

من إنجازات مصر العظمى على يد رجالها الشرفاء تصديرها للبترول والكهرباء والخضروات وبعض السلع المحلية بعد تحقيق الاكتفاء الذاتى منها، وهى لوازم كانت ضرورية للغاية فى ظل عالم يعتصره الجوع، وتحفه مخاطر التغيُّر المناخى والانكماش المالى والتدهور الاقتصادى والتضخم، وبالأخص فى دول أوروبا العتيقة وأمريكا وأفريقيا وعدد من البقاع العربية، وهو ما يُحسب للقيادة الحكيمة للبلاد والسياسة الرشيدة لحكومتنا المُقاتلة، وهناك مجموعة من الخطط والبرامج الموضوعة فى قطاعات لعل أهمها الزراعة، التى تنتوى فى عام 2025 تحقيق إنتاجٍ يُوازى 65% من استهلاكنا من القمح بعد توسيع الرقعة الزراعية منه، سعيًا لتحقيق الاكتفاء فى غضون أعوامٍ قليلة، ومنه إلى السياحة التى تضع سياسةً جديدةً بإنشاء شركات وتأسيس منشآت؛ لتنويع مصادر الدخل الأجنبى وتعظيم العائد من مواردها، إلى جانب الصناعة التى تأخذ مسارًا جديًا لإحلال المنتج المحلى فائق الجودة بالمستورد الردىء مُرتفع القيمة والجمارك، استعدادًا للتصدير، بعد أن دخل التطوير حيّز العمل وصناعة الجودة بأيدٍ مصرية لنفخر بمنتجاتنا قريبًا، وكلها نتاج أزمات متتالية كانت الاستفادة من عواقبها أكبر بكثيرٍ من معاناتها على مدى سنوات، وهو ما يُشير إلى أن الصفعة لا يُمكن أن نأخذها مرتين.
وهنا أقول، إذا كنا صادقين كشعبٍ مع أنفسنا، ونأمل الدولة التى نحلم بها فعلًا، فعسانا أن نتوقَّف قليلًا عن النقد الهدَّام، ونقوم بتوسيع دائرة التسامح، ووضع أيدينا فى أيدى مؤسسات الدولة للبناء، أفرادًا وجماعات، مؤسسات وقطاعات، خاصة وعامة، وائتلافات وأحزابًا، ونتخذ من المعجزات التى وقعت على أرضنا من صروحٍ ومشروعات عملاقة عزيمةً أكبر لتحقيق المزيد، ولنكف عن ارتكاب ما يُشوِّه حضارة سبعة آلاف عام ويزيد، ولتكن معاركنا فى ساحة التنمية المستدامة، والتقدم المنشود.. كما أطرح رؤيتى لجولة كورونا السادسة عندنا، بأن نتخذ الضربات الاستباقية للأزمة باكرًا، بتقسيم العمل بنظام الورديات المخففة الأعداد لا اقتطاع الوقت بالإجازات، وهنا نُحقِّق التباعد، وخلق مساحات بإشغال المغلق فى المنشآت، وعدم الالتزام بأماكن محددة، وعلى القطاعات التى تعتمد على العمل الإلكترونى، تخيُّر الأكفأ به حاليًا للقيام به، وحضور مَنْ لا يُجيده لموقع العمل، ووضع جداول للأطباء بالعمل التطوعى لتدعيم المستشفيات الخيرية كنظام الخدمة الإلزامى، ولدينا من الأدوية والعقاقير المحلية ما نجحت معه الدولة فى تخطى الصعب من قبل.. حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة