د. مجدي عاشور
د. مجدي عاشور


الزواج المبكر بين الشريعة والواقع «٣»

الأخبار

الخميس، 28 يوليه 2022 - 08:16 م

عندما تكلمنا فى المقال السابق عن (تأهيل المقبلين على الزواج) كان من أغراض ذلك أن يكون الشاب والفتاة من ذوى الأهلية والاستعداد لتحمل مسئولية بناء أسرة صالحة رشيدة قابلة للبناء والاستمرار والازدهار، وهذا هو المقصود الأول لتكوين الأسرة .

ولا يكون المقبلون على الزواج ذا أهلية إلا إذا بلغوا من السن مبلَغًا يُستَأْنََس منه أنهم على قدر المرحلة التى يريدون الدخول فيها، نفسيًّا وثقافيًّا وبدنيًّا واقتصاديًّا، وبحسب الاستعداد فى هذه المجالات نستطيع الاطمئنان على مستقبل هؤلاء الأبناء فى وجود علامات ودلائل نجاح تلك المهمة العظيمة التى سيتولون مسئوليتها فى تكوين «مؤسسة الأسرة الناجحة».

إننا نرى القرآن العظيم يطلب من الكبار أن لا يتولى الصغار أمورهم المالية-مثلًا-حتى يجدوا منهم حُسْن التصرف بما فيه مصلحتهم، وهو ما عُرِفَ فى القرآن بمفهوم (الرشد)، فقال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) «النساء:٦»، فإذا كان هذا فى المال الذى قد يأتى وقد يزول، فالأولى أن يكون فى الزواج الذى قد لا يتكرر فى العُمْر؛ فضلًا عن أنه من أهم مظاهر الكرامة الإنسانية ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنشئة وتربية الأجيال واستقرار الأُسَر والمجتمعات.

إذا تقرر هذا فإن ما ورد فى التراث من تزويج البنت أو الولد بمجرد بلوغهما ينبغى أن يُقْرَأَ من خلال ما ذكرناه، مع الأخذ فى الاعتبار أن للواقع أثرًا كبيرًا فى مثل هذه القضية وأمثالها، فقد يكون السياق الاجتماعى والنفسى والتكوينى البيولوجى يسمح فى السابق بشيء من ذلك، هذا من جانبٍ، ومن جانب آخر فإن الشرع الشريف، سواء القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، لم يَرِدْ فيهما نَصٌّ صحيح صريح مطلق فى تزويج الصغار أو ما يُسَمَّى (الزواج المبكر)، فكل ما ورد فى هذا الشأن إما أنه لم يصح أو أنه فُهِمَ على غير وجهه ووُضِعَ فى غير سياقه، فضلًا عن أن ما ذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى من إباحة الزواج المبكر كان يصلح فى تلك البيئات السابقة التى لا يصيبها ضرر بسبب هذا الزواج، ولم يَعْدُ كونه مباحًا، قد يتغير حُكْمُهُ بتغير الزمان والأحوال.

لكل هذا فيجوز للمؤسسات المعنية أن تقيد هذا المباح إذا رأت المصلحة فى ذلك؛ بل إنه عند النظر السديد فى عصرنا الآن نجد أن المفسدة المترتبة على الزواج المبكر أعظم وأشد من المصلحة المترتبة عليه.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة