أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

الفكرة بالشقلوب

أحمد عباس

الأحد، 04 ديسمبر 2022 - 08:13 م

الجد كان سابع اخوته من أب لم يتعلم، أنجبهم الجد الأكبر ليعينوه على مصاريف الحياة وأعبائها، أنجز الجد دوره تجاه أبيه فى سوق العمل ولم يتعلم فك الخط ثم تزوج، وأنجب ستة اخوة غير ثلاثة محظوظين فارقوا الحياة فور ولادتهم، وتكررت التجربة نزل الأشقاء الستة يعملون فى سوق عمل رمادية متوحشة وجميعهم لم يتعلموا وما صنعه الجد كرره الابن مع أولاده، تزوج الأبناء الستة بعد أن عالوا الأسرة دهر كامل وأنجب كل واحد منهم -فى المتوسط- سبعة أبناء، تزوجت البنات مبكرا جدا بزيجات لا عمر لها لكن المهم ان يتكفل آخر بمصاريفها، وبالطبع تزوجن من أسر شبيهة لما تعتب قدم واحدة منها باب مدرسة، أما الأولاد فمشوا على خطى الوالد والجد حتى الجد الأكبر، وهكذا دارات المسائل.


يتناسل الجهلاء فى الغالب أكثر مما ينبغي، ليس ايمانا واحتسابًا ولا اتباعا لتعاليم دين لكنه مبررا نرتكن اليه لتنويم الضمير والدين ياما بيستحمل، والفكرة بايجاز أن الأب وقتما يرزق بأطفال يقعد هو والأم ويتكفل الأبناء بالأسرة.
كثرة الأبناء ليست تيمنا ولا عزوة ولابركة أو ايمانًا بقول الرسول الكريم «تناكحوا تناسلوا» والله ليست المسألة هكذا، الولد ببساطة هو مصدر دخل الأسرة حتى ينتهى دوره إما بأخ جديد يتولى عنه المسئولية، أو بفراره من هذه الظروف لمكان فى الداخل أو الخارج معلوم أو مجهول.


ولا أتحدث هنا فى شأن رزق أو «خشية إملاق»، ولا أعود للمصحف أو للانجيل فلكل واقع وزمن اثبات ان شئت، فمثلا من يقول ان الدين -أى دين- فى المجاعة والرمادة يشجع الناس على الانجاب، لو ان أحدا قال ان هذا يحدث لتشكك الناس فى دينهم وصارت فتنة فى الأرض، ولا أعتقد ان دينا يمنع أو يحجم الانجاب فى وقت السخاء والرخاء، لذا لست أتكلم عن دين أو سنة أو تراث أوأثر، القضية بلا فذلكة هى من يعقل هذا الكلام!
قبل كتابة كلمة واحدة مما سبق بحثت عن القضيتين معًا «التعليم والزيادة السكانية»، وجدت مئات النتائج لكن جميعها تظهر معكوسة، فتكون العناوين أثر الزيادة السكانية على التعليم، وأنا أصمم على ان هذه عناوين لقضية خاسرة، الأجدر بها أن تكون كما أصر أن أجدها، دعنا نفكر بالمعدول بدلا من الشقلوب الذى ندفع ثمنه الآن، المهم أننى كنت أبحث عن أثر تعليم الأفراد على خفض عدد المواليد وهذا هو الأصل فى الأمر، قناعتى تقول انه كلما تعلم الافراد يرتقى المجتمع، فلن تجد أبا متعلما يقرر أن ينجب نسلا يدمجه فى سوق عمل ظالمة تفترسه مبكرا لينفق على الأسرة، أعتقده سيميل أكثر لانجاب طفل أو طفلين يجيد تعليمهما ويحسن النفقة عليهما فيصيرا وجهاء يتباهى بهما.
أقول ذلك بعد أن أكلت كمية معتبرة من الحلويات والساندويتشات فى استراحات لمؤتمرات حضرتها على مدى عشرين عامًا عقدت خصيصًا لطرح القضية ومواجهتها ولم نبلغ سوى ما نحن فيه الآن، أما الساندويتشات فالشهادة لله كانت فاخرة!، فشلت جهود الأولين فى احتواء القضية وتعديل السلوك وتفهيم الناس، وأرانا نحتاج الى التفكير بمنطق آخر.


القصد ان التعليم يأتى أولا فاذا أردت معه ان تفتح حوارا يخص المسألة ستجد عقلا يفهم لا حجر لن يقوى أحد على حثه او منعه او حتى تخويفه، نحن ننحت فى صخر صلد لا أمل فيه، لكن هل هذه نهاية، أقول لك بالتأكيد نعم، لابد أن تكون نهاية حاسمة وصادقة لتناول الفكرة بالشقلوب، أما البداية فالآن وليس غدا، نحن أمام آلاف الأطفال الذين يولدون بينما تقرأ أحدثهم سيكون جدا خلال خمسين عامًا من الآن، دعنا نعلمهم أولا ونجد لهم مدارس ومعاهد وفصولا أو حتى كتاتيب، وننتظر النتيجة بعد نصف قرن، أما الآن فنحن مصرون على تناول الفكرة بالشقلوب.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة