أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

فى الأربعين

أحمد عباس

الأحد، 22 يناير 2023 - 08:13 م

اللافتة تقول: «أهلا وسهلا بلغت نادى الأربعين بالسلامة.. استعد»، رأيتها رؤى العين كأننى بلغت للتو بوابة وصول واقعة فى منطقة وسطى تنبع منها طرق تتفرع كلها من ميدان واحد، ثم سؤال أتانى على لافتة هامشية جدا من ضمن عشرات اللافتات يقول: إلى أين!، لم اعتن كثيرا وبلا تردد سلكت منعطفًا خطرًا، عشت أيامًا طويلة كان أكثرها خطورة أنها منزوعة الخطر.
فى الطريق حنا عليّ ظل يحتوينى لا أعرف من أين أتاني، شجرة مائلة جزعها واهن لم يحتمل، بحثت عن رباط وحزمته جيدًا آملا أن يحمى القادمين بعدى الذين اختاروا نفس الطريق، ثم ضممته الى أمه الشجرة وربتت على أعجازها بلطف وودعت الظل، تفاءلت جدا وانصرفت.


فكرت مرة فى زراعة شعرى الذى راح لكنى عدت وقلت هى مرة واحدة سأرى فيها تطور نفسى وشكلى وهيئتي، وفضلت أن أراها بكل أحوالها، ثم نصحتنى صديقة بأن أحلق كل رأسى وقالت: ستبدو أكثر وسامة، فجذبتنى الفكرة أيامًا ثم رأيت أن لا فارق بينها وبين زراعة شعرى كلاهما يعجل بالطبيعة، وأنا أفضل أن أرى مراحل ذاتي.
طفل عادى رآنى أمشى شاردًا فسألني: مالك يا عمو، لم أجب بالقطع لست أنا، منذ متى أصبحت عمو، أنا مجرد طفل عابر مرماه الضوء والنور، فشد ما طاله من سترتى وأعاد السؤال فقلت بحس عالٍ: منذ متى!، رمقنى بضحكة سهلة ومضى يتقافز أمامى حتى اختفى فابتسمت وصدقت أكثر فى الطريق.
لن أصنع أسطورة ذاتية أدعى فيها أننى قاتلت أسود الغابات أو واجهت المجهول وحدي، أعرفهم جيدا يميلون إلى صنع ذوات جديدة ملآنة بقصص كفاح ونجاح ومثابرة وصمود ذلك لما يبلغون من العمر أو يستريحون أخيرًا على كراسٍ وثيرة، واتخذت قرارًا أننى سأحتفظ لنفسى بـ»عاديتي»، فأكون من النادرين.
رجل أشيب طيب بدا يعرفنى ولا أعرفه قال: ماتتخضش سهلة الحكاية كلها طلعت سهلة اطمن، ضمنى كخبير عجوز أدرك المعنى ثم مضى، فصدقت فى الطريق أكثر وذهبت. يااه الرحلة الى هنا كانت شاقة جدا بل مُهلكة، تستنزف الصحافة أصحاب القلم والهمم بجدارة فلا ترحم من صدق فيها، كنت فى زمن سابق أسمع أساتذة كبارًا يتأوهون بعلو الصوت ويقولون: سرقتنا، ويصمتون.
بائع ربابة جوال لم يشتر منه اليوم أحد، وضع رباباته الملونة على جنب وانخرط يعزف نغمًا لم أميز مرجعه لكن شجى جدا، ولما رآنى انتبه وغير مقطوعته بلا كلمة وراحت الربابة ترقص فى يده تتقلب أصابعه على وتريها بسعادة وتحولت للحن غجرى راقص، وأنا أحب أفكار الغجر.. فآمنت بالطريق ووثبت.


أهدانى معارفى تهنئات معتادة أصدقها كلها وتعذر على آخرين نفس الإهداء لضيق الوقت، لن أنزعج مجددًا ولن أكون من القانتين هكذا عقدت نيتي، لن أغضب بسرعة أو أقلق لشيء فليس هكذا تنصلح الأمور أو ينعدل الحال، لن أكتب ما لا أصدقه قدر ما أستطيع ولن أكون من السائرين خلف المعتوهين والمنتفعين، سأصدق قلبى أكثر مما فعلت وأثق فى حدثى مادام لم يطله غشاوة أو تيبس، سأتعبد أكثر وأسأل الله ما استطعت فلا مجيب إلا هو.


فى المشوار ناغشتنى صديقة قديمة وأهدتنى وردة تهدئ من روع ملامحى فى عشريتى الخامسة، وقالت: العمر مجرد رقم، وأنت.. أنت. اختر أى أنت تريد أن تكون وكُن، فقبلتها وأخبرتها أن لا طريق آخر ما دمت صدقت الطريق.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة