الأحد، 12 فبراير 2023 - 07:22 م

الجمعة ٢٩ يناير ١٩٦٠
خالد أيها العزيز.. مساء الخير يا ولدي، هل تعرف ما هى غاية وجودنا، لماذا جئنا وأين المفر، ومتى نعود، وأين!
هذه أسئلة يا ولدى لم تجب عنها البشرية الى الآن، توالت ملايين السنين والأرض مستمرة فى الدوران والناس فوقها تائهون فى دوائر مجهولة، عرفوا الأديان وآمنوا بها، ثم كفروا بها واعترفوا بالمادة ثم كفروا بأديانهم مجددا، وأنا لا أثق بما يعتقده الناس لكن أؤمن ان النهاية بين جنة أو جحيم.

السبت:
خالد أيها العزيز.. مساء الخير، ان أجمل ما أفعله هو جمع الصحف والعناية بها لأحفظها لك ولأولادك من بعدك، وأمتع لحظات حياتى هى التى أختبئ فيها بين هذه الصفحات وأعترف لك اننى لم أأسف على شيء قدر أسفى على ضياع الصحف التى صدرت فى الشهر الأول للثورة المصرية فى يوليو ١٩٥٢ كنت أحتفظ بها كاملة لكن زوج عمتك طلبها على أن يرجعها مرة أخرى لكنها ضاعت منه ثم عُدت وجمعتها مرة جديدة، بالأمس جلست بينها وقرأت أنباء المعارك التى دارت فى القنال سعيًا للجلاء كان ذلك قبل عشر سنوات والتى انتهت فى العام ١٩٥١ بانتكاسة كبرى، وطالعت أخبار ثورة العراق الحبيب ١٩٥٨ ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر ومحاكمات الاخوان المسلمين.

الأربعاء:
خالد أيها العزيز.. انتبه، صدرت صحف الصباح التالى ليوم ٢٧ يناير ١٩٥٢ بلا خبر واحد عن حريق القاهرة وكأنه شيء عابر لا يهم المصريين، كل ما قرأناه يا ولدى هو بيان رئيس مجلس الوزراء مصطفى النحاس يعلن قيام الأحكام العرفية ويفرض حظر التجوال من السادسة مساء حتى السادسة صباح اليوم التالي، وتعيين نفسه حاكما عسكريا على البلاد، ثم ناشد المصريين أن يستكينوا للهدوء ويخضعوا للنظام حتى تتمكن الحكومة من القيام بعملها، فتساءلنا كثيرا ماهى الأعمال التى ستقوم بها الحكومة ولم نجد جواب.. كالعادة.

الخميس:
خالد أيها العزيز.. مساء الخير، كلما فكرت فى الماضى الذى عاشه أبى وجدتي، وكلما زاد تفكيرى فى الحاضر الذى أحياه وسترث أنت وأولادك مستقبله أشفقت علّى وعليك من بعدي، الفارق بين العصور مهول يا ولدى فى التقاليد والعادات والثقافة والعيشة، تعرف.. حتى فى أسعار السلع ويكفى أن تعرف أن الأسعار تضاعفت عشر مرات عما كانت عليه فى سنة ١٩٣٠ مثلا، حيث كان يدفع جدك صاغا واحدا لقاء عشر بيضات بينما أدفع أنا صاغا كاملا عن كل بيضة، أما رطل اللحم فكان بقرش ونصف، والآن ثمنه خمسة عشر قرشا، أما الدخل فلم يرتفع أكثر من ثلاثة أضعاف فقط فى أحسن التقديرات، والسبب يا خالد هو حربين عالميين وازدياد السكان بدرجة تتجاوز الضعفين.
الأحد:
ثم اننا نعمل ونكد ونجتهد لنوفر عملة صعبة نشترى بها آلات لبناء السد العالى فى أسوان الذى سيكون أكبر مشروع هندسى لسد فى العالم، تعرف يا خالد.. نفكر بينما أكتب لك فى انشاء أكبر بحيرة صناعية تحل مكان منخفض القطارة فى الصحراء الغربية، اننا ننشيء فى كل يوم مجالا جديدا للكسب والتنمية، حتى اذا ماجاء عام ١٩٨٠ مثلا وجدت بلدك غنيا لا يمد يده لأحد ليس فيه عاطلا ولا جاهل ولا مريض ولا جاهل، انا متفاءل جدا يا خالد على مستقبلك.

الاثنين:
خالد أيها العزيز.. مساء الخير، أين تسكن الآن يا ولدى فى أى شارع، أنا ولدت فى حى السيدة زينب وتربيت فى ميدان حفيدة النبى محمد، كلما بعدت عن هذا الحى أشعر أن حبلا قويا يجذبنى الى الميدان الفسيح، اليوم يا خالد يوافق ١٨ رجب ١٣٧٩ ويوافق يوم ميلاد السيدة زينب رضى الله عنها، قُل لى يا خالد كيف يحتفل الناس فى أيامك بهذا المولد، اننى أخشى أن يطغى التطور على هذه الصورة التى أراها الآن.
لمن لا يعرف هذا دفتر قديم يرجع لسنته وكاتبه وجدته مدكنا بقطعة أثاث من نفس العصر، واخترت منه ما سلف.