زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

يوم غاب القمر

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 10 مارس 2023 - 07:20 م

لماذا لا تمد يدك إلى السماء يا أبي، وتلتقط لنا قمرًا نهزم به خفوت مصباح بيتنا وظلمة ميدان قريتنا؟ 

كان طفلًا لم يتجاوز الخامسة، يوقن بأن أباه قادر على صنع العجائب، فهو الذى يستطيع شراء كل شيء - رغم فقره - وقادر على قطف ثمار النخل المرتفع بيده، واصطياد السمك فى برك النيل من قبضة واحدة.

وفى كل مرة كان أبوه يؤكد له بأنه سيفعل ذلك بعد فراغه من يوم عمله المجهِد، الذى كان يتطلب وقوفه بجسده الضخم على قدميه المتورمتين فى دكانه الصغير طوال اليوم، يشترى من الناس حكايات الوجع، ويقايضهم بقفشات وضحكات محلاة بأقماع من السكر كان يكتنزها فى برميل كبير. 

وفى كل مرة كان الأب يشترط على طفله أن يظل مستيقظًا حتى صلاة العشاء، ولكن كان النعاس يغلب الولد بعد المغرب مباشرة وهو يتأبط حلم امتلاكه لنجمة وقمر. 

وذات يوم مات الأب، فتسلل الطفل وسط أقدام الرجال لفراش موته، وهز كتف أبيه - ظنًا منه أنه يدعى الموت كعادته، وأنه سيغمره بحضن أمان وابتسام، ولكن احتضنته أمه بالدموع، وأخبرته بأن أباه سيذهب إلى رحلة بعيده وسيأتيه بما وعده. ولكن طال انتظار الطفل، وبعد أن وعى مرارة الفقد؛ انطفأت كل الآمال فى عينيه، ولم يعد يحلم بشراء نجمة أو قمر.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة