أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

كاريكاتير

أحمد عباس

الأحد، 30 أبريل 2023 - 08:38 م

حوار طويل جمعنى مع صديق كبير، زميل وعليم بالمهنة سألنى سؤال مللته من كثرة تكراره، قال: هل تستمر الصحافة الورقية.. وابتسم!
السؤال أصلًا لا يسأله إلا لئيم أو خبيث أو صاحب هوى ثم أراد التأكيد على مقصده الشريف كما وصفه- فسأل: ما هو دور الصحافة الورقية من الأساس؟
لو لم أكن أعرفه حق المعرفة لقولت إنه من المتنطعين أو الحاقدين على هذه «الشغلانة»، لكنى أعرف أنه هكذا يتكلم فى طبيعته ليسمع ما يريد أن يسمعه أو يفتش فى عقول الآخرين أو حتى يكتسب فكرة أو مهارة جديدة، فى كل الأحوال الرجل أكبر منى ولسنا فى صف واحد، فلماذا يفتش فى رأسى.


المهم تمطرقت ومددت ساقى ورحت أغلق عينى اليسرى قليلًا لأبدو خبيرُا فى شئون الصحافة والإعلام ورحت أتحدث كما كان يتحدث الآباء الأوائل للمهنة قبل أن يتجرأ سؤال ويدور بعقل إنسان أو يطرحه أى مدعى علم أو محدث تطور وتكنولوجيا.


اعتدت هذا السؤال منذ صار لى رأى أسأل عنه أحيانًا ورغم كراهيتى الشديدة له إلا أننى أحب أن أصول وأجول فى بحور إجابته الواسعة، ومن مزايا هذا السؤال ان لا أحد أوجد له إجابة نموذجية فأسير على نهجه أو أقتبس منه، هو سؤال فضفاض جدًا يحتمل كل الإجابات لا صحيح فيه ولا خطأ.
بدأت حلقة طويلة من التنظير المرهق لى وللسامع بكلام منمق وله وجاهته ومنطقه، فأدرك الرجل مدى حماستى للقضية واندفاعى لها ودفاعى عنها، فسألنى: يعنى مثلًا لماذا لا تنقل الصحف والمجلات الأجنبية عنا صحافتنا صورة أو فكرة غلاف أو رسمة كاريكاتير بينما ننقل نحن عنهم، فأجبته أنهم ربما لا يجدون ما ينقلونه عنا، فسألنى: إذن دعنا نكون أكثر عملية، إذا كنت رساما ما هو الكاريكاتير الذى ترسمه الآن!
صمت صمت خبير جديد انضم لجلستنا ورحت أفكر.. مثل ماذا، مثل ماذا يا واد يا أحمد، ثم انطلقت:
سأرسم مكنسة أمريكية ماسورتها موجهة صوب خريطة الشرق الأوسط تشفط ترابه قبل زيته حتى ناسه.. أمريكا تشفطهم.
أو ربما أرسم قبعة أمريكية يرتديها سادى شرير يجلس على كرسى ردىء فى إحدى مناطق الخريطة العربية يشاهد كل صور البهتان.
أو أرسم مروحة صينية تدور بأقصى درجات سرعتها بينما تطيح بسادة عروش وممالك أوروبا وهم يحاولون التشبث بأعمدة معابد رومانية قديمة.
أو لعلنى أرسم «كولونيل» روسيًا متقاعدًا مسترخيًا يرتشف مشروبًا شفافًا ونياشين الاتحاد السوفيتى كلها تتدلى من كتفه وهو يشاهد حقول الشعير تحترق بينما أجران الخبيز نارها مطفأة فى افريقيا والناس جوعى.


أو قرصانًا صهيونيًا أعور لا يرى إلا نصف الحقيقة فقط واقفًا بقدم فى تل أبيب والأخرى فى إفريقيا فوق منابع النيل.
أو رؤساء العالم وزعماءه وهم يتهاتفون متصببين عرقًا وخلفهم شعوبهم وبرلماناتهم يصرخون عليهم ويستجدونهم استعادة ذويهم من المناطق الملتهبة، بينما رعاياهم محصورون بين الطرق والموانئ والمطارات فى العالم.


أما عن السودان الشقيق فسأرسم جحافل من البشر تفر بينما العالم يتفرج من فوق فوهة بركان يغلى وهم يتبادلون أعقاب سجائر أمريكية فاخرة.
فسألنى: وهل هكذا ينقل الغرب عن صحافتنا، فسألته: هل أنت متأكد أنك صحفي.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة